مسجد السيدة زينب 1302 هجرية = 1884/ 85م. السيدة زينب هى ابنة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - فاطمة الزهراء- من الإمام على بن أبى طالب وقد أجمع المؤرخون على موفور فضلها ورجاحة عقلها وغزارة علمها، وقد شهدت مع شقيقها الحسين موقعة كربلاء وشاهدت استشهاده بعينى رأسها، وهى - كما شهد لها التاريخ فى الذروة من البلاغة وسمو البيان. ومسجد السيدة زينب الذى تشرف وجهته الرئيسة الآن على الميدان المسمى باسمها تناولته يد الإصلاح والتعمير فى أوقات مختلفة.
وتوجد في مصر عدة مقامات وأضرحة ومشاهد لآل البيت، تشرف عليها وتديرها الدولة، وهي إن كانت مقدسة لدى الشيعة، فإنها تعد مزارات للمصريين أجمعهم، مثل ضريح الحسين بن علي قرب الجامع الأزهر (والذي يُزعم أن رأس الحسين مدفونة فيه)، وضريح السيدة زينب بنت علي (وهي نفسها التي يوجد لها مقام جنوبي العاصمة السورية، دمشق)، وضريح السيدة سكينة بنت الحسين، وضريح السيدة نفيسة بنت الحسن، ومقام الإمام علي زين العابدين بن الحسين، وغيرها.
ويذكر تقرير "الملل والنحل والأعراق"، الصادر عن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية بالقاهرة عام 2005، أنه مع تحسن العلاقات المصرية - الإيرانية في التسعينيات، طرحت بقوة على بساط البحث فكرة استجلاب السياح الإيرانيين والشيعة للقيام برحلات سياحية في مصر، وزيارة أضرحة آل البيت. وبدأت وزارة السياحة المصرية بحث الأمر، بيد أن مخاوف أمنية وتحفظات من جانب علماء أزهريين، أجهضت الفكرة.
ففى العصر العثمانى قام على باشا الوزير والى مصر من قبل السلطان سليمان بعمارة فيه فى سنة 956 هجرية = 1549م كما قام عبد الرحمن كتخدا فى سنة 1174 هجرية = 1761م بإعادة بنائه، وفى سنة 1212 هجرية = 1798م ظهر خلل بالمسجد فقام عثمان بك المرادى بهدمه وشرع فى بنائه وارتفع بجدرانه وأقام أعمدته ولم يتم البناء نظرا لدخول الفرنسيين مصر، وبعد خروجهم منها استؤنف العمل إلا أنه لم يتم فأكمله محمد على الكبير رأس الأسرة الملكية، ومنذ ذلك التاريخ أصبح مسجد السيدة زينب محل عناية أعضاء هذه الأسرة الجليلة وموضع رعايتها فقد شرع عباس باشا الأول فى إصلاحه ولكن الموت عاجله فقام محمد سعيد باشا فى سنة 1276 هجرية = 1859/ 60م بإتمام ما بدأه سلفه وأنشأ مقامى العتريس والعيدروس الآتى ذكرهم بعد. والمسجد القائم الآن أمر بإنشائه الخديو توفيق وتم بناؤه سنة 1302 هجرية = 1884/ 85م
وفى عهد جلالة الفاروق وبأمره الكريم تم توسيع المسجد من الجهة القبلية وافتتح جلالته هذه التوسعة بصلاة الجمعة فى 19 من ذى الحجة سنة 1360 هجرية = 1942م. والوجهة الرئيسة للمسجد تشرف على ميدان السيدة زينب وبها ثلاثة مداخل تؤدى إلى داخل المسجد مباشرة. وترتد الوجهة عند طرفها الغربى وفى هذا الارتداد باب آخر مخصص للسيدات يؤدى إلى الضريح وتقوم المئذنة على يسار هذا الباب. ويحيط بالركن الغربى البحرى سور من الحديد ويقع به قبتان صغيرتان ملتصقتان محمولتان على ستة أعمدة رخامية بواسطة سبعة عقود أقيمتا على قبرى العتريس والعيدروس.
ومن ناحية أخرى، شهدت مصر منذ أواخر عهد السادات هجرة من جانب طائفة البهرة، والتي تنتمي إلى إحدى فرق المذهب الإسماعيلي، الذي كانت تدين به الدولة الفاطمية، والذي ينتسب أتباعه إلى إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق، ويعتبرون الإمامة في نسله، ولا يعترفون بالإمام موسى الكاظم، بن الإمام جعفر الصادق ( وهو الإمام السادس عند الشيعة الإثنى عشرية).
وتذكر بعض الروايات، أن هذه الطائفة انتشرت في الهند بعد سقوط دولة الفاطميين، وتعني لفظة "البهرة" باللغة الهندية "التاجر"، فيعرف عن أتباعها اشتغالهم بالتجارة، ولذا تعد من أكثر الطوائف ثراءً، ومعظم أتباعها من الهند وباكستان.
وارتبط البهرة بمصر ارتباطاً روحياً لكونها كانت تمثل قاعدة الفاطميين، لذا يحرصون على زيارة الآثار الفاطمية ومقامات آل البيت في مصر. وقد قامت الطائفة بترميم جامع الحاكم بأمر الله الفاطمي (المسمى الجامع الأنور) في القاهرة، والذي يحجون إليه ويقيمون فيه شعائرهم. وقد تملَّك بعضهم عقارات ومحلات محيطة بالجامع، وأقاموا فيها. ومنح الأزهر زعيم الطائفة، وهو محمد برهان الدين الملقب بالسلطان، الدكتوراه الفخرية، وهو الذي تبرع بالمقصورة الحالية لضريح السيدة زينب بالقاهرة.
وتقع الوجهة الغربية على شارع السد وبها مدخل على يساره من أعلى ساعة كبيرة وللمسجد وجهتان أخريان إحداهما على شارع العتريس والأخرى على شارع باب الميضة. وأنشئت وجهات المسجد ومنارته وقبة الضريح على الطراز المملوكى وهى حافلة بالزخارف العربية والمقرنصات والكتابات. والمسجد من الداخل مسقوف جميعه، حمل سقفه المنقوش بزخارف عربية على عقود مرتكزة على أعمدة من الرخام الأبيض ويعلو الجزء الواقع أمام المحراب شخشيخة كما يعلو الجزء الأوسط من المسجد قبل التوسيع شخشيخة بها شبابيك زجاجية بوسطها قبة صغيرة فتح بدائرها شبابيك من الجص المفرغ المحلى بالزجاج الملون. ويقع الضريح بالجهة الغربية من المسجد وبه قبر السيدة زينب رضى الله عنها تحيط به مقصورة من النحاس تعلوها قبة صغيرة من الخشب. ويعلو الضريح قبة مرتفعة ترتكز فى منطقة الانتقال من المربع إلى الاستدارة على أربعة أركان من المقرنص المتعدد الحطات ويحيط برقبتها شبابيك جصية مفرغة محلاه بالزجاج الملون. وقد عملت التوسعة من الداخل على نظام باقى المسجد وهى تشتمل على صفين من العقود المحمولة على أعمدة رخامية تحمل سقفا من الخشب المنقوش بزخارف عربية وبوسطه شخشيخة مرتفعة عنه بها شبابيك للإضاءة. وقد بنيت وجهات هذه التوسعة بالحجر على طراز وجهات المسجد الأخرى.