مهرجان القاهرة السينمائي يبحث عن مجد ضائع

المتوسط اونلاين - تنفسّت السينما المصرية الصعداء بعد أن أعلن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ترشيح فيلم "عصافير النيل" للمخرج مجدي أحمد علي ليمثل مصر في المسابقة الرسمية للمهرجان.. وكان المهرجان قد فجّر مفاجأة مؤلمة قبل ذلك حين أعلن مديره الفنان عزت أبو عوف أنه عجز عن إيجاد فيلم يمثل مصر في أي من مسابقات مهرجانها، الذي بات في منافسة شرسة مع غيره من المهرجانات العربية الأخرى، وبالتحديد الخليجية في أبوظبي ودبي وهذه السنة مهرجان تربيكا-الدوحة، وهي مهرجانات نجحت في لفت الأنظار إليها وصنع اسما ينافس اسم المهرجان السينمائي الأقدم في المنطقة العربية.
وفيلم "عصافير النيل"، المقتبس عن رواية بالاسم نفسه للروائي المصري ابرهيم اصلان، يتطرق لعالم من المهمشين الذين يعيشون في حي امبابة الشعبي على الشاطيء النيل المقابل لحي الزمالك الراقي. وهو من الأفلام التي تم دعمها انتاجيا من قبل وزارة الثقافة بثلاثة ملايين جنيه مصري (570 الف دولار) ضمن خطة الوزارة لدعم صناعة السينما بما قيمته 20 مليون جنيه مصري (3 ملايين و500 ألف دولار).
وقد أثار عدم وجود فيلم يمثل مصر في المسابقة الرسمية للمهرجان جدلا شديدا وانتقادات لاذعة للمنتجين المصريين وكذلك لوزارة الثقافة التي فضلت عرض فيلم "المسافر" الذي مولت تكاليف انتاجه بالكامل في مهرجان البندقية الايطالي على عرضه في مهرجان القاهرة. وقد لجأت وزارة الثقافة لإنتاج الأفلام السينمائية ودعمها لسد ثغرة عدم وجود أفلام تليق بتمثيل مصر في مهرجاناتها والمهرجانات الدولية التي تشارك مصر في فعالياتها.
وبات غياب الأفلام السينمائية المصرية عن المهرجانات المصرية أمرا شبه مكرر في أغلب مهرجانات البلاد، فنفس الموقف المحرج وقع فيه مهرجان القاهرة السنة الماضية ووقع فيه أيضا هذه السنة مهرجان الإسكندرية، حيث بات صنّاع الأفلام المصريين يسعون إلى المشاركة في المهرجانات العالمية والخليجية مفضلين جوائزها القيمة عن الجائزة الهزيلة التي يمنحها مهرجان القاهرة للفائز في مسابقة الأفلام العربية والتي لا تزيد قيمتها 100 على ألف جنيه مصري (18 ألف دولار). في المقابل تصل قيمة جوائز مهرجان دبي إلى 570 ألف دولار وقيمة جوائز مهرجان الشرق الأوسط الذي تنظمه أبوظبي إلى 100 ألف دولار إضافة إلى 50 ألف دولار تمنح لمخرج الفيلم الفائز وجوائز فرعية أخرى. وكان أعضاء في اللجنة العليا لمهرجان القاهرة السينمائي بينهم الناقد طارق الشناوي توجه بنداء إلى رجال الأعمال المصريين لتقديم مليون دولار دعما لجوائز المهرجان حتى يستطيع منافسة مهرجاني دبي وابوظبي.
وستنطلق الدورة الـ 33 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في 10 تشرين الثاني- نوفمبر الجاري لتتواصل على مدار عشرة أيام تقريبا، وسيكون فيلم الافتتاح هندي الجنسية بإمضاء المخرج كبير خان.. ويأتي الافتتاح بفيلم «نيويورك» ضمن الاحتفال بالسينما الهندية كضيف شرف بالمهرجان. وسيعرض بهذه المناسبة 16 فيلما هنديا من مختلف المدارس والتيارات الفنية إضافة إلى تكريم أبطال فيلم "المليونير المتشرد" الحائز على ثماني جوائز في مسابقة الاوسكار هذا العام.
وسيكرم المهرجان خمسة مصريين هم: المخرج علي عبد الخالق والمونتير أحمد متولي ومدير التصوير محسن نصر والممثلتان شويكار ونادية الجندي والمخرج الجزائري أحمد رشدي في سياق اختيار السينما الجزائرية لتكريمها بالمهرجان حيث قدمت مخرجين بارزين نافست أفلامهم في مهرجانات كبرى مثل محمد لخضر حامينا الذي فاز فيلمه "وقائع سنوات الجمر" بالسعفة الذهبية لمهرجان كان عام 1975.
ويشمل هذا التكريم دعوة نخبة من نجوم وصناع السينما الجزائريين وتنظيم قسم خاص للأفلام الجزائرية يعرض من خلاله أحد عشر فيلما من أحدث ما أنتج خلال السنوات الخمس الأخيرة وهي "مصطفى بن بولعيد" لأحمد راشدي و"رحلة إلى الجزائر" لعبد الكريم بهلول و"نهر لندن" لرشيد بوشارب و"مسخرة" لليث سالم و"زهر" لفاطمة الزهراء زعموم و"المنارة" لبلقاسم حجاج و"الخبز الحافي" لرشيد بن حاج و"دليس بالوما" لنادر مكناش و"بركات" لجميلة صحراوي و"ظلال الليل" لناصر بختي و"روما أفضل منك" لطارق تقيا.
وفيما يتعلّق بضيوف المهرجان من نجوم السينما العالمية، فقد سعت الإدارة في هذه الدورة إلى تدارك الإحراج الذي تعرّضت له السنة الماضية بدعوتها النجمين التركيين الشهيرين بمهند ونور على خلفية نجاحهما الدرامي لا السينمائي، ووجهت هذه السنة الدعوة إلى دعوة أربعة من ألمع السينما الهوليوودية وهم: سلمى حايك، ولوسي ليو وصامويل ال جاكسون وتوم برنجيه الذي سيشارك في عضوية لجنة تحكيم المسابقة الدولية في المهرجان، فضلاً عن الفنانة الهندية سيلينا جيتلي.
وأعلن مهرجان القاهرة السينمائي عن إصدار 4 كتب جديدة في دورته الثالثة والثلاثين أبرزها كتاب التكريمات الذي يحوي دراسات عن المسيرة الفنية للفنانين المصريين الذين يكرمهم هذا العام. كما يصدر المهرجان كتابا عن السينما الهندية ضيفة شرف الدورة الجديدة يعده الدكتور أحمد شوقي عبد الفتاح إضافة إلى كتالوج المهرجان الذي يضم كل المعلومات عن الدورة من أفلام وأعضاء لجان تحكيم ومكرمين وضيوف والأقسام المختلفة إلى جانب كتاب كبير عن المخرج المصري الراحل شادي عبد السلام يحتوى على صور لمختارات من تصميماته للملابس تولى إعداده الفنان صلاح مرعي.
ويحتفي المهرجان هذا العام بشادي عبد السلام الذي أطلق اسمه على الدورة الجديدة حيث يتم عرض فيلمه الشهير "المومياء- ليلة أن تحصى السنين" مرتين على هامش المهرجان بعد الانتهاء من ترميمه بالكامل من جانب مؤسسة "سينما العالم" التي يرأسها المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي ضمن مشروعها الذي يهتم بصنع نيجاتيف جديد لأهم الأفلام في العالم لتمتد جودتها لمئات السنين. وتم عرض الفيلم بعد ترميمه في الدورة الأخيرة لمهرجان "كان السينمائي الدولي" وتحملت وزارة الثقافة المصرية نفقات ترميم النسخة وتحويلها إلى نسخة ملونة بتكلفة بلغت 50 ألف يورو.
وفي محاولة لاستعادة توازنه وبريقه كأعرق مهرجان سينمائي في المنطقة العربية، حاول المهرجان أن يقدم برنامجا سينمائيا منوعا من بلاد شتى وعن مواضيع مختلفة. إذ وقع اختيار المهرجان على حوالي 150 فيلما من 67 دولة من أصل 610 أفلام، ومن ضمن الأفلام المشاركة ثمانية أفلام رشحت لجوائز الأوسكار. وتشارك، نجمة المهرجان، السينما الهندية بأكثر من 30 فيلما تمثل «أفضل وأحدث» ما أنتجته بوليوود، التي تعد من أكثر السينمات تميزاً وتحظى أفلامها بإقبال جماهيري كبير في غالبية دول العالم. فضلاً عن أفلام من فرنسا وإيطاليا ودول البلطيق وتونس والمغرب والجزائر وسوريا. ومن أبرز عروض المهرجان العالمية، فيلم الافتتاح الهندي «نيويورك»، ‏و«‏المليونير المتشرد»‏، ومن ليتوانيا «الدوامة»، إخراج غيتس لوكاس، ومن المغرب «كازانيغرا»، إخراج نور الدين لخماري، والفرنسي «نسيت أن أقول لك»، إخراج د. لوران فيناس ريمود، ويشارك في بطولته النجم المصري العالمي عمر الشريف وايميلي ديكسوين وفرانك جورلا، وفيلم من لاتفيا هو «فوجلفري» الذي فاز بثلاث جوائز في مهرجان الفيلم اللاتفي هي أفضل تصوير، وأفضل فيلم، وأفضل سيناريو.
ويتنافس على جائزة أفضل فيلم عربي مشارك في المهرجان 10 أفلام هي المغرب التي تشارك بفيلمين وفلسطين فيلمين وتونس بثلاثة أفلام وسوريا والجزائر ومصر بفيلم لكل منها، وتبلغ قيمة الجائزة 200 ألف جنيه )35 ألف دولار تقريبا(، مقدمة من وزارة الثقافة.
ومن عروض المهرجان العربية، الفيلم العراقي «فجر العالم» (2008) الذي شارك في الكثير من المهرجانات العربية والدولية، ونال بعض الجوائز، والفيلمان الفلسطينيان: «المر والرمان» الذي فاز بجائزة مهرجان تريبكا السينمائي الأخير في الدوحة و«أميركا». وهناك أيضا، الفيلم التونسي «الدواحة» لرجاء عماري. وإلى جانب العروض السينمائية يتضمن البرنامج ست ندوات وهي: «ندوة عن السينما الهندية» باعتبارها ضيف شرف المهرجان، وندوة عن «السينما الجزائرية» التي اختارتها إدارة المهرجان لإلقاء الضوء عليها، وندوة عن المخرج شادي عبدالسلام، وندوة عن «السينما الإفريقية ومشاكلها وإمكاناتها وكيف تواجهها والقضايا التي تتناولها»، ومن ذلك قضية الفقر والختان، وندوة عن البيئة وأهمية الحفاظ على بيئة نظيفة. وقد تم اختيار المخرج الهندي إدورجوبا لاكريشتان كرئيس للجنة تحكيم المسابقة الدولية الذي يعد رائداً لحركة المجتمع السينمائي في ولاية «كيرالا» الهندية، كما كان صاحب مبادرة تأسيس أول شركة أفلام تعاونية لإنتاج وتوزيع وعرض الأفلام العالية الجودة. أيضاً تم اختيار المنتج والمخرج والكاتب النيجيري فيكتور أوكهاى رئيساً للجنة تحكيم أفلام الديجيتال، وهو أحد مؤسسي لجنة مخرجي نيجيريا ورئيس أكاديمية الفيلم العالمي في لاغوس.
وتضم لجنة تحكيم مسابقة الأفلام العربية في عضويتها الممثلة المصرية غادة عادل والمخرج الجزائري إلياس سالم والمخرج العراقي قاسم حول والممثلة المغربية سناء موزيان والمخرجة الفلسطينية مي المصري. وكان من سترأسها الفنان المصري نور شريف إلا أنه اعتذر بشكل مفاجئ لظروف خاصة، مما أوقع المهرجان في أزمة كبيرة بسبب ضيق الوقت لولا قبول الفنان يحي الفخراني للمهمة مبديا استعدادا فوريا لإحساسه بالمسئولية تجاه مهرجان القاهرة الذي يعد المهرجان العربي الأبرز في مجال الفن السابع والمصنف لدى لجنة المهرجانات الدولية ضمن 11 مهرجانا دوليا.
برنامج حافل وأسماء عالمية وعربية عديدة ستؤثث أيام المهرجان العشر، ولكن هل ستنجح في حفظ ماء وجه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أول مهرجان سينمائي عربي، المهرجان الذي كانت، في ما مضى، المشاركة في فعالياته ومسابقته تعتبر حلم السينمائيين المصريين والعرب، ليس بسبب بعده العالمي فحسب بل لكونه يحمل اسم عاصمة الفن العربي ويقام فيها؟.. لقد تاه المهرجان منذ سنوات عن مساره، وغاب وسط زحام المهرجانات السينمائية التي تولد سنة بعد سنة من أبوظبي إلى مراكش مرورا بتونس ودمشق وقطر والجزائر...، وكل مهرجان يسعى إلى أن يثبت وجوده، العريق يريد أن يحافظ على اسمه وتاريخه والجديد يريد أن يصنع له مجدا وينتزع مكانة بارزة