مجموعة قصص دينية للأطفال(رايات الإسلام ) زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها- تأليف / علي حسن العتر

مجموعة قصص دينية قصيرة
رايـــات الإســــلام

مقـدمـة

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) صدق الله العظيم
سورة التوبة آيـة 100

تبارك الله رب العالمين ونحمده على ما أولىَ علينا من نعمه ، ونصلّي على رسوله الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين ، سبحان الله العليّ العظيم ، أنزل وبشّر ، له الملك وهو على كل شيء قدير ، أنزل القرآن فجعله معجزة للعيان ، أكمل به الدين وأقامه حجة على الخلق أجمعين .

عند بدء إنتشار الدين الإسلامي في مكة المكرمـة وهجـرة الرسول (ص) إلى المدينة المنورة بعد أن اشتد إيذاء الكفار له ، كان لنفر كبير من الصحابة المؤمنين برسول الله (ص) مواقف عظيمة شهد لها التاريخ ، وأصبحت نبراساً يضيء لمن بعدهم الطريق إلى الهداية والإيمان بدين الحق.

ومن الصحابة والمسلمين من كانت لهم مواقف مع الرسول يسألونه ويستفسرون ، فكان (ص) يدعو الله كي يرشده إلى الرأي الصواب .

وكان الرسول (ص) يلقى من الكفار والمشركين مقاومة شديدة لنشر دين الحق والهداية ، وتتعدد المواقف والمشاهد التي يعجز البشر عن تفسيرها .

وفي هذه السلسلة من القصص القصيرة سنتحدث عن هذه الشخصيات وتلك المواقف في


رايـــات الإســــلام


شخصية هذه الحلقة سيدة فاضلة من أمهات المؤمنين وهي حفيدة عبد المطلب بن هاشم سيد قريش ، هي من زوجات النبي (ص) .

نعم هي من زوجات النبي (ص) .. أمها أميمة بنت عبد المطلب التي أطعمها رسول الله (ص) من تمر خيبر .. وخالها حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء ..

شخصية هذه الحلقـة هي أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها .. أخوها عبد الله بن جحش حامل أول لواء عقده الرسول (ص) لحرب المشركين وسنقدمه في حلقة خاصة .

وصفتها كتب التاريخ بأنها كانت بيضاء سمينة من بين نساء قريش ، وكانت معتزّة بجمالها ، كما كانت معتزّة بنسبها الرفيع .

سمعت زينب بنت جحش رضي الله عنها بدعوة الإسلام من أخيها عبد الله بن جحش ، فآمنت وحسن إسلامها وتخلصت من عادات الجاهلية ، وإتجهت إلى ربها خالصة مؤمنة .

عاشت زينب بنت جحش حياتها تفقه نفسها وتتزود من تعاليم ربها ، وتردد خلف أخويها بعض آيات القرآن الكريم .. التي كان ينزل بها الوحي على محمد رسول الله (ص) ... كانت رضي الله عنها طيبة الخاطر ، هادئة النفس ، خالصة القلب ، للنور الغامر الذي انطلق من دعوة الإسلام وأخذ يطوف بأرجاء مكة وينتشر فيها فتتلقفه القلوب وتعيش له النفوس المؤمنة .

هذه بداية قصة أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها مع الدعوة والإيمان بالله .

تأهبت وأخويها عبد الله وأحمد للفرار بدينها مع قومها من المسلمين إلى الحبشة مع بني جحش فراراً بدينها ، فغلقت دار بني جحش ، ومرّ بها عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبو جهل بن هشام بن المغيرة وهم يصعدون إلى أعلى مكة ، فنظر إليها عتبة بن ربيعة تخفق أبوابها في الهواء وليس بها ساكن.

فتذكر عبد الله بن جحش وأبا أحمد عبد بن جحش وكان رجلآ ضرير البصر يطوف مكة أعلاها وأسفلها بغير قائد ، وذكر الحركة الدائبة التي كانت تنبض بها الدار فتنفس الصعداء ثم قال : أصبحت دار بني جحش خلاء من أهلها ، فرد عليه أبو جهل قائلآ : هذا عمل أبن أخي فرق جماعتنا وشتت أمرنا .

عندما أمر الرسول (ص) المسلمين بالهجرة إلى المدينة قاعدة الإسلام الجديدة بعد مكة وبيت الله الحرام ، هاجرت زينب بنت جحش رضي الله عنها إلى المدينة مع من هاجر من بني جحش عقب هجرة الرسول (ص) إلى المدينة.

وإستقر بهم المقام حول الرسول الكريم بالمدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار ، وتم بناء المسجد النبوي الشريف تلك الجامعة الأولى في العالم الإسلامي ، فلما رآها زيد بن حارثة بعد قدومها إلى المدينة أعجبته وقرر الزواج منها.

وتلك رواية أخرى .. فقد ذهب زيد إلى النبي (ص) وقال ، يا رسول الله أخطب علىّ فقال له محمد (ص) أخطب عليك من يا زيد ؟ قال زيد .. زينب بنت جحش.

قال رسول الله (ص) لا أراها تقبل يا زيد إنها أكرم من ذلك نسباً وأنت تعرف أعتزازها بنسبها

ذهب زيد إلى على بن أبي طالب فحمله على أن يكلم له النبي (ص) فانطلق معه إلى رسول الله (ص) فكلمه .. وقال له النبي (ص) أني مرسلك يا على إلى أهلها فتكلمهم ، وذهب على إلى عبد الله بن جحش يكلمه في امر زواج زينب من زيد فأربد وجه عبد الله.

فقد كان ينتظر أن يأتي خاله ليطلب منه زواج إبنة عمته زينب بنت جحش لنفسه ، وما خطر بباله أن يطلبها لمولاه زيد ، وعاد على كرم الله وجهـه إلى النبي عليه السلام فأخبره بكراهتها وكراهة اخيها لذلك.

وبذلك لم يتم زواج زينب بنت جحش من زيد بن حارثة بعد رفضها وتلك رواية أخرى فقد ذهب محمد (ص) بنفسه ليخطبها لزيد وسنحكي القصة فيما بعـد.


إختار محمد رسول الله (ص) فتاة بني هاشم لتكون عاملآ جوهرياً في تحطيم الفوارق الموروثة بين المسلمين ، فالناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحد على أحد إلآ بالتقوى وكانت زينب خير مثال لتحقيق هذه الحكمة التي أرادها الرسول الكريم أن تكون هدفاً سامياً يتداوله المسلمون كافة في كل أنحاء العالم.

فأختارها رسولنا الكريم لتكون زوجة لزيد بن حارثة وهو مولى رسول الله (ص) الذي تبناه وعاش حياته معه وفضّله على أبيه وأهله.

عندما خطب رسول الله زينب رضي الله عنها إلى زيد بن حارثة دهشت وأخذت بما سمعت وقالت لنفسها .. أيمكن أن يحدث هذا ؟ لم يكن زيداً من أمنياتها في يوم من الأيام .. إنها أسلمت وإلتزمت بتعاليم الإسلام ولكن .. أتتزوج زيداً ؟ إن الإسلام يشترط التكافؤ في الزواج .. وهل زيد كفواً لها !!!!

دارت هذه الخواطر المتضاربة بمخيلتها والرسول (ص) واقف ينتظر كلمتها .. وتحدثت زينب قائلة : يا رسول الله لست بناكحته ؟

لقد كرهت زينب بنت جحش رضي الله عنها هذا الزواج وأكدت رفضها للرسول (ص) بقولها : لا لن أتزوجه أبداً وأنا سيدة أبناء عبد شمس ، نظر إليها رسول الله نظرة مؤكدة كلامه قائلآ : بل فانكحيه ؟ فرفضت زينب مرة أخرى مؤكدة عدم رضائها بهذا الزواج وبينما هما يتحدثان أنزل الله من آياته الكريمة على زينب بنت جحش رضي الله عنها :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
سورة الأحزاب 36

وأخذت زينب رضي الله بما أنزل على رسول الله (ص) وإنتابها شعور قوي يدفعها لطاعة الله ورسوله فرددت وهي راضية بما تقول :قد رضيته يا رسول الله منكحاً .. ولا أعصي رسول الله (ص) وقد أنكحته نفسي ، وكان ذلك هو السبب الأول لموافقتها على الزواج من زيد بن حارثة ؟

نعم فقد كان زيد في ذاك الوقت يسمى زيد بن محمد وكان اللقب يجعلها تشعر بأنها تناسب رسول الله ويشرفها ذلك فتزوجا وساق زيد إلى بني جحش عشرة دنانير وملحفة وإزاراً وخمسين مدّاً من الطعام وعشرة أمداد من التمر أعطاه إياه كله رسول الله .

أبطل محمد رسول الله (ص) التبني عندما جاء إليه أبو زيد بن حارثة وعمه وطلبوه من الرسول ولكن زيد فضل أن يعيش مع محمد (ص)

ونزلت الآيات الكريمة بإبطال التبني .. ومن هنا بدأت الخلافات بين زيد وزينب فقد اخذت تترفع على زيد .. وقد فطن زيد لهذا الأمر ولم تكن نفسه الكريمة هينة عليه ، فحاول التخلص منها وعدم إزعاجها أو إمساكها على غير رضى أو عشرة زوجية حميدة أخذاً بآداب الإسلام كما في الآيات الكريمة:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢٣٢)
سورة البقرة آيـة 231

عاشت زينب بنت جحش رضي الله عنها مع زيد قرابة العام ثم صمم زيد على الفراق فطلقها لأنه كان كريم النفس لا يريد أن يبني سعادته على تعاسة الاخرين .

ولما إنقضت عـدة زينب قال رسول الله (ص) لزيـد أن إذكرها علىّ
{ أي تكلم معها عني } ... وذهب زيد لها وهي تخمر عجينها وقال: لما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر لها وأقول إن رسول الله (ص) ذكرها ، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي قائلآ: يا زينب أبشري أرسل رسول الله (ص) يذكرك ، فقالت زينب لزيد: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي وقامت إلى مسجدها لتصلي وعاد زيد إلى محمد (ص) ليخبره بما قالت.

أخذت رسول الله (ص) غشية فسُري عنه وهو يبتسم ويقول : من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من السماء وأخذ يتلو الآيات الكريمة :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
صدق الله العظيم
سورة الأحزاب آيـة 37

ولم تنم المدينة تلك الليلة ، كان زواج النبي عليه السلام من إبنة عمه حديث الدور ، وراح المؤمنون يتلون الآيات التي نزلت على نبي الله (ص) في بيت عائشة فرحين.

بينما تكلم في ذلك المنافقون فقالوا : حرم محمد نساء الولد وقد تزوج إمرأة إبنه .. فأنزل الله عزّ وجلّ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
صدق الله العظيم
سورة الأحزاب آيـة 40
كان حكيم بن خزام يحسب أن أمر الغلام الذي إشتراه بأربعمائة درهم سيقف عند حدّ التبني ، وما خطر له على قلب أن الرجل القصير أفطس الأنف قد يأتي يوم يتزوج فيه عقيلة من عقيلات بيوت الشرف في مكة.

إنه لما سمع أن زيد بن حارثة تزوج زينب بنت جحش وأن المسلمين يقولون إن ذلك الزواج قد جاء به الأمر من فوق سبع سماوات كاد يطيش لبّه ، وأن محمد بن عبد الله قد وصم أشراف قريش بعار لن تمحوه الأيام ، فسادة قريش كانوا يعتقدون أنهم خلقوا من طينة أشرف من طينة العبيد بل من كل البشر .

وكان حكيم بن خزام شارد اللب فقد كانت مخاوف أبي سفيان تراوده فمن يدري فقد يفاجيء إبن عبد الله أم القرى بالهجوم وهم غائبون عنها.

نزلت آية الحجاب ، لتعلم الناس ألا يدخلوا بيوت النبي بغير إذن فإذا دعوا إلى الطعام دخلوا ، وإذا لم يدعو فلا يدخلون يرتقبون نضجه ، ثم إذا طعموا خرجوا، ولا يبقوا بعد الطعام للسمر والأخذ بأطراف الحديث ... وما أحوج المسلمين اليوم إلى هذا الأدب الذي نزل به القرآن !!!!

هذا جانب من حياة أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها والتي نزلت بعض آيات القرآن لتقرر زواجها من الرسول (ص) ومن أجل ذلك كانت تفاخر على زوجات النبي (ص) قائلة:
{زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات}

لكن ما هي قصة نزول آيات الحجاب على أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها !!!

لما تزوج رسول الله (ص) بزينب بنت جحش رضي الله عنها جاء بخبز ولحم فأرسلت على الطعام داعياً فيجيء قوم ياكلون ويخرجون ، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون فدعت الناس حتى ما وجدت أحداً تدعوه فقالت لرسول الله (ص) : يا نبي الله ما أجد أحداً ادعوه فقال عليه الصلاة والسلام أرفعوا طعامكم ، وهذه كانت من شيم العرب فما بالنا بأم المؤمنين.

خرج الناس من البيت بعد أن اكلوا وبقي ثلاثة رجال يتحدثون في البيت فخرج النبي (ص) إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال " السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته .. فقالت: وعليكم السلام ورحمة الله .. كيف وجدت أهلك ؟ بارك الله فيها .

وذهب عليه الصلاة والسلام إلى حجر نسائه كلهن يقول لهن ما يقول لعائشة رضي الله عنها ويقلن له كما قالت عائشة رضي الله عنها ،

كان عليه الصلاة والسلام شديد الحياء فعرف أن القوم قد خرجوا من عند زينب رضي الله عنها فرجع إليها ووضع رجله في داخل الباب وأخرى خارجه ، وأرخى الحجاب بينه وبين زينب رضي الله عنها وأنزلت آية الحجاب .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
سورة الأحزاب (53)
كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها مفزع اليتامى والأرامل وأطول نساء النبي (ص) يداً في الخير ، كانت تقضي نهارها في محرابها وتقوم الليل إلآ قليلا ، وقد قال رسول الله (ص) : إن زينب بنت جحش أواهـة .. فقال رجل : يا رسول الله ما الأواه ؟

قال رسول الله (ص) الواه هو الخاشع المتضرع ... وكما جـاء في كتابه الكريم في سورة هود ( إن إبراهيم أواه منيب).

أصبحت زينب بنت جحش تسامي عائشة بنت أبي بكر في المنزلة عند رسول الله (ص) وكانت عائشة بالرغم من غيرتها من زينب نظراً لجمالها فإنها لم تقل إلآ خيرا فقالت : لم أر إمرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشدّ إبتذالآ لنفسها في العمل الذي يتصدق به ويتقرب إلى الله عزّ وجلّ.

هكذا كانت العلاقة الطيبة بين زوجات الرسول (ص) لما يتمتعن بـه من أخلاق حميدة وصفات نادرة بين البشر .. فهن أمهات المؤمنين بحق.

نعم ما قلت فقد كانت عائشة تترعرع في مدرسة القرآن وتتلقى العلم من رسول الله (ص) وتتأدب بآدابه وتنهل من كريم أخلاقه ، وإنها لخير مدرسة كانت وما تزال على وجـه الأرض .. فهي المدرسة الروحانية التي تتعطر بطيب الأيمان وتتحلّى بروح القرآن العظيم.

كانت زينب بنت جحش التقية النقية تعرف مكانتها في دور النبي عليه السلام ، وقالت لنساء النبي ذات يوم : أنا أكرمكن ولياً وأكرمكن سفيراً.. زوجكن أهلكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات.

لما بنى رسول الله (ص) مسجده بنى بيتين لزوجتيه عائشة وسودة على غرار بناء المسجد من لبن وجريد النخل ، وكان لبيت عائشة مصراع واحد من صاج.

وتزوج رسول الله (ص) حفصة بنت عمر فبنى لها حجرة ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي عليه السلام .. ثم تزوج بعدها زينب بنت خزيمة ، فبنى لها حجرة إلى جوار حجرة حفصة وماتت أم المساكين رضي الله عنها ، وبعد زينب تزوج رسول الله أم سلمة بنت أبي أمية زاد الركب وأسكنها حجرة أم المساكين رضي الله عنها ، وتزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها بعد أم سلمة وبنى لها حجرة إلى جوار أمهات المؤمنين .

وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم سلمة زاد الركب وزينب بنت جحش في دور النبي يتلقين عنه العلم ، وما كان أحد أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة ، ولو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي (ص) وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل .
لقد كان رسول الله (ص) مدرسة لكل مسلمين الأرض كافة فما زالوا يتعلمون من مباديء وتعاليم الإسلام التي نشرها رسولنا الكريم في كل بقاع الأرض ، كان عليه السلام يعلم رجال المهاجرين ونساءهم ورجال الأنصار ونساءهم كيف تكون الحياة الفاضلة على الأرض ، ويشرح لهم المنهج الديني للحياة ، ويغيّر يالقدوة الحسنة والوصايا الطيبة نفوسهم ..فقد أنزل الله عليه:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (١١)
صدق الله العظيم
سورة الرعد آية 11

جاء رسول الله (ص) وصاحبه أبو بكر فكمنا في أحد جوانب المدينة البعيدة ثم بعث رجل من أهل البادية الأنصار يعلمونها بقدوم رسول الله (ص) .. قال أبو بكر رضي الله عنه خرج الناس حين المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان يقولون الله أكبر جاء محمد ، لقد كان من الأنصار حوالى خمسمائة رجل في لقاء الرسول الكريم .

لقد آخى الرسول الكريم بين المهاجرين والأنصار فآخى بين حذيفة بن اليمان وبين عمار بن ياسر ، إن رسول الله (ص) حين دخل المدينة قال للناس افشوا السلام وأطعموا الطعام وصلّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام.

لقد جاء عبد الله بن سلام رسول الله (ص) فقال أشهد أنك جئت بحق وقد علمت يهود أنى سيدهم وإبن سيدهم فلما جاء اليهود الى رسول الله (ص) فقال لهم أى رجل عبدالله فيكم ؟
قالوا خيرنا وإبن خيرنا ، وسيدنا وإبن سيدنا
قال : أرأيتم أن أسلم ؟ قالوا أعاذه الله من ذلك
خرج عبد الله بن سلام فقال ..
أشهد أن ألآ اله إلا الله وأشهد أن محمداًً رسول الله .
فقال اليهود شرنا وإبن شرنا وإنتقصوه
فقال عبد الله هذا الذي كنت أخاف يارسول الله .
فقال لهم رسول الله (ص) ، يا معشر يهود إتقوا الله فوالله الذى لا اله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً وأني جئت بحق أسلموا .

لما نزل رسول الله (ص) دار أبي أيوب نزل في الأسفل وأبو أيوب وأم أيوب في العلو ، فذهب إليه أبو أيوب قائلآ بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني أكره أن أكون فوقك وتكون تحتي ، فأظهر انت فكن في العلو وننزل نحن فنكون في السفل ، فقال رسول الله (ص) يا أبا أيوب إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن أكون في سفل البيت.

هذه خصال النبي (ص) .. التواضع والبساطة والسماحة والسمو فوق كل متع الدنيا .. قال أبو أيوب ..كنا نصنع له العشاء ثم نبعث إليه فإذا ردّه علينا فضلة تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة .

قال زيد بن ثابت : أول هدية أهديت إلى رسول الله (ص) حين نزل دار أبي أيوب أنا جئت بها قصعة فيها خبز مشرود بلبن وسمن ، فلما قدمتها قال لي (ص) بارك الله فيك ودعا أصحابه فأكلوا , ثم جاءت قصعة سعد بن عبادة ثريد وعراق لحم ، وما كانت ليلة إلآ وعلى باب الرسول (ص) الثلاث والأربعة يحملون الطعام ويتناوبون ، لقد أثبت المهاجرون والأنصار روح التعاون والإخاء بين المسلمين في المدينة.

قال رسول الله (ص) خير دور الأنصار بنو النجار ، ثم بنو عبد الأشهل ، ثم بنو الحارث بن الخزرج ، ثم بنو ساعدة ، وفي كل دور الأنصار خير، لقد عرفت أم المؤمنين زينب أن هذه الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة فتركتها لطلابها ، وعاشت حياتها عابدة .. زاهدة وخصوصاً بعد وفاة الرسول (ص)

لقد ماتت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها وبكتها أم المؤمنين عائشة أحرّ البكاء وقالت عنها أنها إمرأة صالحة ، وشاركها المسلمون في ذلك ولكن لكل أجل كتاب .

كانت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أول نساء النبي (ص) لحوقة به .. وقد أمر عمر منادياً ألا يخرج على زينب إلا ذو رحم من أهلها .. فقالت بنت عميس : يا أمير المؤمنين ألا أريك شيئاً رأيت الحبشة تصنعه لنسائهم ؟

فجعلت نعشاً وغطته بثوب فلما نظر إليه قال: ما أحسن هذا ما أستر هذا فأمر منادياً أن أخرجوا على أمكم ، وصلىّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليها فكبّر أربع تكبيرات وقال لأمهات المؤمنين : من يدخلها قبرها ؟ فأدخلها رجلان من أهل بيتها .. فأرسل إليه من كان يحلّ له الولوج عليها.

رحم الله أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنهاووفق نساء المسلمين على الأهتداء بهديها والإقتداء بها في ما كانت تأتي به في حياتها من إلتزامها بكتاب الله وسنة رسوله (ص)

الـــنـــهـــــايــــة


المراجـع

1- البداية والنهاية أبو الفداء الحافظ بن كثير
2- الكامل في التاريخ أبن الأثــير
3- الجامع لأحكام القرآن القرطبي
4- صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم
5- السيرة النبوية لأبن هشام
6- رجال أنزل الله فيهم قرآنا د. عبد الرحمن عميرة
7- حياة الصحابة محمد يوسف الكاندهلوي
8- الخلفاء الراشدين عبد الوهاب النجار
9- تاريخ الإسلام للذهبي
10- الطبقات الكبرى لأبن سعد


موافقة الأزهر رقـم / 9695 / 14 بتاريخ / 6 / 6 / 2007


إلى اللقـاء مـع شخصيـة جـديـدة مـن رايــات الإســـلام
1- أبـو بـكــر الصـديــق 2- بــــلال بـن ربــــاح 3- سعـد بن أبي وقـــاص
4- عـبـد الله بـن مـكـتــوم 5- حـفـصـة بنـت عـمــر 6- الــزبيــر بـن الـعــــوام
7- أبو سفيــان بن حـرب 8- الــنـــجــــــاشــــي 9- أبي عبيدة بن الجراح
10- عائشة بنت أبي بكر 11- سـلمـان الفـارسـي 12- عبد الله بن رواحــة
13- زيـد بـن حــارثـــة 14- عثمان بن مظعـون 15- زينــب بنـت جـحـش
16- عـبـادة بن الصـامـت 17- عبد الله بن جحـش 18- حاطب بن أبي بلتعة
19- جعفر بن أبي طالب 20- حـذيفـة بن اليمـان 21- ســراقـة بـن مـالـك
22- فـاطـمـة الـزهـــراء -23 مصعـب بن عميـر 24-عـــمــار بـن يـاســــر
25- مـعـــاذ بـن جــبــل 26- أســامـة بـن زيـــد