مجموعة قصص دينية للأطفال(رايات الإسلام ) عبد الله بن رواحة - تأليف / علي حسن العتر

مجموعة قصص دينية قصيرة
رايـــات الإســــلام

مقـدمـة

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) صدق الله العظيم
سورة التوبة آيـة 100

تبارك الله رب العالمين ونحمده على ما أولىَ علينا من نعمه ، ونصلّي على رسوله الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين ، سبحان الله العليّ العظيم ، أنزل وبشّر ، له الملك وهو على كل شيء قدير ، أنزل القرآن فجعله معجزة للعيان ، أكمل به الدين وأقامه حجة على الخلق أجمعين .

عند بدء إنتشار الدين الإسلامي في مكة المكرمـة وهجـرة الرسول (ص) إلى المدينة المنورة بعد أن اشتد إيذاء الكفار له ، كان لنفر كبير من الصحابة المؤمنين برسول الله (ص) مواقف عظيمة شهد لها التاريخ ، وأصبحت نبراساً يضيء لمن بعدهم الطريق إلى الهداية والإيمان بدين الحق.

ومن الصحابة والمسلمين من كانت لهم مواقف مع الرسول يسألونه ويستفسرون ، فكان (ص) يدعو الله كي يرشده إلى الرأي الصواب .

وكان الرسول (ص) يلقى من الكفار والمشركين مقاومة شديدة لنشر دين الحق والهداية ، وتتعدد المواقف والمشاهد التي يعجز البشر عن تفسيرها .

وفي هذه السلسلة من القصص القصيرة سنتحدث عن هذه الشخصيات وتلك المواقف في


رايـــات الإســــلام

إجتمعت حفنة من من اليهود وبينهم أسير بن رزام حيث قال أسير :والله ما سار محمد الى أحد من اليهود ، ولا بعث أحد من أصحابه الا أصاب منهم ما اراد وأنا صانع به ما لم يصنع أصحابى
فسأله يهودي : ماذا ستصنع به ؟
قال أسير بن رزام : أسير فى غطفان فأجمعهم لحربه ، ونسير الى محمد فى عقر داره فانه لم يغز أحد فى عقر داره الا أدرك منه عدوه بعض ما تريد
فهلل اليهود فرحين قائلين : نعم رأيك يا أسير ونحن معك
فقال أسير : أجمعوا غطفان وأجهزوا للحرب مع محمد .. ويقوم اليهود فرحين بالحرب

سمع النبى بما عزم أسير بن رزام أن يقوم به بجيش من غطفان فأرسل عبدالله بن رواحة فى ثلاث نفر ، سرا ليأتوا بخبر رزام ..
وذهب الرجال وأتجه عبد الله ناحيـة خيبر فدخل الحوائط والبساتين وعرفوا الخبر وعاد الجميع وقدموا على رسول الله (ص)

أمر رسول الله (ص)ثلاثين من رجال وأمر عليهم عبد الله بن رواحة وتحركوا نحو رزام.

وقابل الرجال رزام فقالوا له : نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له ؟ قال نعم : ولى منكم مثل ذلك فقالوا نعم

فقال عبد الله بن روحة لرزام ان رسول الله قد بعثنا اليك لتخرج اليه ، ليستعملك على خيبر ويكرمك ويحسن اليك.

سأل رزام نفر من اليهود وقد طمع فى الإمرة دون قتال فقالوا له : ما كان محمد ليستعمل رجلا من بنى اسرائيل ، وهو مصر على دينه
قال رزام بل قد مللنا الحرب ، ولعله قد ملّ الحرب أيضا

خرج مع عبد الله عدد مثل عددهم وسار مع أسير عبد الله بن روحة وبعد مسيرة ستة أميال من خيبر قال أسير لنفسه قد يخلوا الأمر من كيد من المسلمين

ندم أسير على مسيره الى رسول الله (ص) وأراد الفتك بابن رواحـة ، وفطـن له ابن رواحـة حين رآه يريد السيف وتمتد اليه ، فكان أسرع منه اليه ، فأستله وضربـه بـه فقطع رجله وهو يقول لـه: أغـدرا عـدو الله

وسقط أسير عن بعيره وكان فى يده السيف فضرب عبدالله بن رواحـة فشجـه فى رأسـه ، قتل المسلمون أصحاب رزام بعدما لمسوا فيهم الغدر فقتلوهم جميعا الا واحد هرب منهم 0

وخرج رسول الله اليهم جماعة من أصحابه فحدثوه بما جرى فقال لهم قد نجاكم الله من القوم الظالمين ومسح على وجه عبدالله وبارك شجته فلم تتقيح ولم يصبه منها إذى.

لقد كان المسلمين مكة التى لا تزال حتى تحت سلطان المشركين أول نصر معنوى عظيم تسجله الدعوة الاسلامية على باطل المشركين
ولكن ها هو محمد رسول الله (ص) يجدع أنف كبرياء الشرك فيدخل مكة فى ألفين من أصحابه متقلدين سيوفهم وعلى استعداد لقطع رأس أى إنسان يفكر فى أن يفكر فى أن يمد بأذى الى نبيهم الحبيب.

من منا كان يتصور أنه سيدخل مكة منتصرا بعد أن خرج منها وحيدا خائفا ليس معه سوى صاحبه الصادق الصديق : إن عبد الله بن رواحة أخذه الحماس بنفسه فأخذ يصيح بصوت عال وهو يجر ناقة
رسول الله ويلهب حماس المسلمين فتحركت نوازع الحرب ضد قريش ، لقد خاف بن الخطاب من كلام ابن رواحة فقال له : يا بن رواحة ؟ ما هذا الذى تقول ؟

وهنا قال رسول الله (ص) لابن رواحة أن يبتعد عن ما يثير العواطف نحو الحرب .. وقال له قل يا بن رواحـة ..
لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده
وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله

لو ترى منظر رجال قريش وهم فوق الجبال حول قريش ينظرون للمسلمين من فوق وتهزهم صيحات المسلمين وهم يكبرون ويهللون حول الكعبة

ولو ترى وجوههم وبلال حين صعد الى الكعبة يؤذن بالظهر ونطق بكلمة التوحيد من فوق ظهرها ، لقد أرسلت قريش وفدا من سادتها يطلب من الرسول الكريم أن يغادر مكة بعد قضاء ثلاثة أيـام فيها ، لم يعرف كفار قريش حين رفضوا أن يفتحوا الكعبة لرسول الله (ص) أنه سيأتى اليوم الذى يدخل فيه مكة منتصرا ويبقى فيها ما شاء له.

نعم فان فتح مكة كان فتح الفتوح لا اله الا الله محمد رسول الله.
في المدينة وفي مكان تحت النخيل كان بعض اليهود جالسون يفكرون ماذا يفعلون في محمد.

ويقبل عليهم مجموعه من المسلمين من الأنصار ويصيح فيهم أحدهم :يا معشر اليهود، اتقوا الله واسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا محمد (ص) ونحن أهل شرك وكفر، وتخبرونا أنه مبعوث وتصفون لنا بصفته.
وقال أحد اليهود وهو سلاّم بن مشكم :ما جاءنا بشئ نعرفه ، وما هو الذى نذكره لكم

ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ، فلما جاءهم ما عرفوه كفروا به فلعنه الله على الكافرين.

وكانت محاورة كبرى يبن رسول الله (ص) واليهود استدل بها من القرآن جعلتهم يحقدون على محمد أكثر وأكثر وبدأوا الفتنة بين الأنصار ويقولون كلاما استهزاء بالنبى ، وأغتاظ الأنصار وقال بعضهم يا أعداء الله عليكم لعنة الله ، والذى نفسه بيده ان سمعتها من رجل منكم يستهزىء برسول الله (ص) لأضربن عنقه بالسيف.

كان اليهود يقولون للأنصار ..لا تنفقوا أموالكم على هؤلاء فانا نخشي عليكم الفقر فأنزل الله تعالى من آياته الكريمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (٣٧)
صدق الله العظيم
سورة النساء آيـة 37

وانصرف الأنصار غاضبين ثم جاءهم أبو بن أخطب وقال لهم : تعلموا والله ، لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه فقال أحدهم: أأنت سمعته ؟ قال نعم
فقام حيي بن أخطب مندفعاً : سأذهب إليه لأرى ماذا يقول … وذهب مع نفر من اليهود

ذهب حيي بن اخطب لرسول الله (ص) فقال له يا محمد ، ألم يذكر لنا انك تتلو فيما انزل اليك " الم ذلك الكتاب ؟
قال محمد : بلى
فقال حيى :أجاءك بها جبريل من عند الله ؟
فقال محمد : بلى
فقال حيي : قد بعث الله قبلك انبياء ما نعلمه بين لنبى منهم ما مدّّة ملكه وما أكـل أمته وغيرك ، والتفت اليهودى الى أصحابه الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون ، فهذا أحدى وسبعون سنه ؟
ثم التفت الى رسول الله (ص) وقال يا محمد ، هل مع هـذا غيره ؟
فقال محمد : نعم .. هذا والله أثقل وأطول ، الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون ، فهذه إحدى وستون ومئة سنه ، هل مع هذا يا محمد غيره

قال محمد : نعم ، " الـر" .. هذه والله أطول وأثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مئتان ، فهذا أحدى وسبعون ومئتا سنة.

وصمت اليهودى فى حيرة ثم قال حيي :لقد لبس علينا أمرك يا محمد ، حتى ما ندرى أقليلا أعطيت أم كثيرا ، ثم قاموا عنه ومشوا وقال أبو أيسر لأخية يحيى : ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد ، إحدى وسبعون ومئتان فذلك ، سبعمائة ولأربع وثلاثون سنه.

وقال حيى وهو في حيرة : لقد تشابه علينا أمره ولم يدر فى خلد هؤلاء اليهود أن رسالة محمد عليه الصلاة والسلام ستستمر طويلا حتى يومنا هذا .. صدق رسول الله وصدقت رسالتة .. وسبحان الله ولا إله إلآ الله.

كان رجال قريش مجتمعون فى موقع بدر وبينهم عيبة بن ربيعة وأبا جهل وحكيم بن حـزام وعقبـة بـن أبى معيط وقد أرسلوا أحدهم ليستكشف معسكر المسلمين وهو عمير بن وهب ، لقد أرسلوه ليتجسس على المسلمين لعله يخبرهم عن عددهم وعدتهم ، ويصل عمير على فرسه وينزل من عليه ويتقدم نحو الرجال محيياً لهم : مرحبا يا أشرف قريش.
فقال له أبو جهل : مرحبا يا عمير ماذا وجدت فى المسلمين

قال عمير : عددهم ثلاثمائه رجل يزيدون قليلا أو ينقصون .. وما يحملون من السلاح النافـع إلآ قليلا ، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم ، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم ، حتى يقتل رجل منكم ، فأذا أصابوكم منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك ؟ قرّوا برأيكم.

وينظر الجميع لبعض فى وجـوم من كلام عمير ثم يتقدم حكيم بن حزام من عتبة بن أبى ربيعة محدثاً أياه : يا أبا الوليد ، انك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها ، ولك الى أن لا تزال تُذكر فيها بخير الى آخر الدهر.
كان حكيم أبن خزام يريد من أبي ربيعة أن يرجع بالناس ؟

قام عتبة يحدث الناس قائلآ: يا معشر قريش ، انكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمد وأصحابه شيئا ، والله وإن اصبتموه لا يزال طارق ينظر فى وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه أو ابن خالد ، أو رجلا من عشيرته فأرجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فإن أصابوه فذلك الذى أردتم وان كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون.

ومشي حكيم نحو أبو جهل وهو بعيد عن الجميع قائلآ : يا أبا الحكم إن عتيبه أرسلنى اليك لنعود الى مكه ونترك محمدا

ويزداد أبو جهل غضباً ويصيح : والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، لقد انتفخ والله سحره حين راى محمدا وأصحابه .. ويتحرك نحو حليفهم عامر بن الحضرمى مخاطباً : يا عامر هذا حليفك يريد ان يرجع بالناس رأيت ثارك بعينيك فقم فأنشر حلفاءك أن ينصرونك لتثـأر لمقتل أخيك
ويقوم عامر ويصيح : واعمراه .. واعمراه
ويصيح الناس بغضب ..الحرب .. الحرب .. وكانت معركة بدر التي إنتصر فيها المسلمون.

قال رسول الله (ص) للمسلمين لا تقاتلوا حتى أؤذنكم، وان قاربوكم فأرموهم ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم ، فلما اقتربوا قال أبوبكر لرسول الله (ص) يا رسول الله دنا القوم وقد نالوا منا

نهض رسول الله (ص) وهو رافع يديه يناشد ربـه ما وعده من النصر وهو يقول ُُ اللهم أن تظهر على هذه العصابة يظهر الشرك ولا يقم لك دين "
وقال أبو بكر والله لينصرنك الله وليبيض وجهك
كان عبد الله بن رواحة يغلى ايمانا وثقة بالله تعالى وكان يقول يارسول الله انى أشير عليك ان الله أجل وأعظم من أن ينشد وعده .
فقال له رسول الله يا بن رواحة ألا أنشد الله وعده ؟ إن الله لا يخلف الميعاد.

إن الرسول عليه الصلاة والسلام بعد أن كتب النصر للمسلمين أرسل عبد الله بن رواحة ليبشر أهل المدينة بما فتح الله على المسلمين
لقد نادى عبد الله فى بنو عمر بن عوف وخطمة ووائل فقال لهم يا معشر الأنصار، أبشروا بسلامة الرسول وقتل المشركـين وأسرهم
وماذا فعل رسول الله (ص) بالاسرى والمشركين؟

قال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم ..
وقال عمر : يارسول الله كذبوك وأخرجوك، فقدمهم وأضرب أعناقهم
وقال عبد الله بن رواحة : يارسول الله أنت فى واد كثير الحطب فأضرم الوادى عليهم نـارا، ثم ألقهم فيه.

سكت رسول الله بعد أن سمع كلامهم ثم قال فدخل فقال ناس : يأخذ بقول أبى بكر وقال ناس : يأخذ بقول عمر وقال ناس : يأخذ بقول عبد الله بن رواحـة

خرج رسول الله (ص) عليهم فقال " ألين من اللبن وان الله ليشهد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل أبراهيم عليه السلام قال : فمن تبعنى فانه منى ومن عصانى فانك غفور رحيم وان مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى عليه السلام قال : ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم .

وقال رسول الله (ص) لعمر وان مثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام، قال : ربنا أطمس على أموالهم وأشدد على قلوبهم، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم وان مثلك ياعمر كمثل نوح عليه السلام قال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا أنتم فقراء (ونظر للصحابة) فلا ينفكن أحد منهم الا بفداء أو ضربة عنق .
لقد أنزل الله فى عتاب المؤمنين وإيثارهم عرض الدنيا : فقال تعالى

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)
سورة الأنفال 67 – 69

لقد كان رأى عمر من موافقاتة التى أرادها الله سبحانه ولم يبعد عنه رأى ابن رواحة فى الشدة على أعداء الله، وان كان التعذيب بالنار لايكون الا من الله سبحانه، اذ يقول عليه الصلاة والسلام "لا ينبغى أن يعذب بالنار الا رب النار وان النار لا يعذب بها الا الله " صدق رسول الله (ص) .. لقد نصر الله المؤمنين فى غزوة بدر ورب فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله .. لا إلـه الا الله وحده لاشريك له .

كان عبد الله بن رواحة شاعراً يجود شعره، ويرسله من حنايا قلبه، واستمر يرسل الأشعار في السلم والحرب، في الحياة وما بعد الحياة، حتى نزل قول الله تعالى:
وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) سورة الشعراء 224

فامتنع عن قول الشعر حتى بعد أن نزل قول الله تعالى :

إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧) سورة الشعراء 227

وافتقد المسلمون أحاديث أبن رواحة ، واشتاقت آذانهم إلى سماعها ولكن عبد الله قد أشغل لسانه بذكر الله .

كان لعبد الله أبن رواحة أمـة سوداء ، وذات يوم غضب عليها فلطمها ، ولكنه فزع من هذا العمل فأتى النبي (ص) واخبره بما حدث فسأله النبي : ما هي يا عبد الله.

قال يا رسول الله : هي تصوم وتصلّي ، وتحسن الوضوء ، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .. فقال يا عبد الله هذه مؤمنة .
فقال عبد الله فوالذي بعثك بالحق نبياً لأعتقنها ولأتزوجنها ففعل فأستهزأ بـه ناس من المسلمين قائلين: نكح أَمـة فأنزل الله تعالى فيهم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١)
صدق الله العظيم
سورة البقرة آيـة 221
منذ أن عرف عبدالله بن رواحة الاسلام لم يتأخـر عن رسول الله (ص) فأشترك فى غزوة بدر وأحد وحينما نادى أبو سفيان موعد بيننا وبينكم فى الصفراء، رأس الحول نلتقى فيه فنقتل فقال عمر بن الخطاب نعم ان شاء الله .

تأهب المسلمون وقال أبوبكر وعمر لرسول الله (ص) يارسول الله، ان الله مظهر دينه ومعـزّ نبيه.

وقد وعدنا القوم موعدا ولا نحب أن نتخلف، فيرون أن هذا جبن، فسر لموعدهم ، فو الله ان فى ذلك لخبرة .

فقال رسول الله (ص) والذي نفس بيده لأخرجن وان لم يخرج معى أحد.

فخرج المسلمون الى بدر بتجارات ربحت كثيرا واستخلف الرسول (ص) على المدينة عبد الله بن رواحة، وسار فى الف وخمسمائة، فيهم عشرة أفراس ، وحمل لواءه على رضى الله عنه ولم يخرج أبو سفيان متعللا بجدب العام فسمى جيشه جيش السويق وعاد الرسول (ص) وصحبه بعد غيبة دامت ستة عشرة ليلة، كان فيها عبدالله بن رواحة أميرا للعاصمة الاسلامية .. وشهد غزوة الأحزاب فى السنة الخامسة من الهجرة .

كانت مجموعـة من الرجـال جالسين بينهم يتحدثون عن رسل محمد (ص) إلى شرحبيل بن عمرو فقد ذهب أحد أمراء العرب إلى شر حبيل بن عمرو يطلبون منه مؤازرة العرب ضد الفرس في معركة مؤتة وكان عدد المسلمين 3000 أمام جيش من الفرس قوامه 30000
ودخل عليه الرسول وسأله شرحبيل ماذا تريد ؟
قال له الرجل حضرت إليك رسولآ من عند محمد بن عبد الله نبى المسلمين .. وكان هذا الرسول هو الحارث بن عمير الأزدى فأوثقوه بالحبال وقطعوا عنقه.

ذهبت بعثه من المسلمين الى الشام تدعو الى دين الإسلام وأقتربوا الى منطقة تدعى ذات المطلح وعددهم أربعة عشرة مسلم فهاجمتهم العرب المنتصرة التابعين للروم وأغتالوهم جميعا غدرا.

وكان تهديد ملك غسان المنتصر الحارث بن أبى شمر للمسلمين بغزو الجزيرة واحتلال المدينه وقتل رسول النبى (ص) كانت هذه الاسباب كلها مقدمه لتفكير الرسول فى غزوة مؤته التى يذكرها التاريخ بأنها أعظم حرب خاضها المسلمون منذ بدأ الاسلام.

إن رسول الله (ص) جمعنا فى هذا المكان لنذهب الى الشام لنقاتل فيها أعداء الاسلام الذين غدر ولا بأصحابها وقتلوهم غدرا

لقد عين رسول الله (ص) زيد بن الحارث أمير الناس فان قتل فجعفر بن أبى طالب فان قتل فعبد الله بن رواحه 0

لقد تخلف ابن رواحة عن الصلاة فقال له رسول الله (ص) ما خلفك يا بن رواحة ؟
فقال : أجمع معكم الصلاة لأنه كان اليوم الجمعة ، قال له رسول الله (ص) لغدوة أو روحة خير من الدنيا وما فيها.

إن عبد الله بن رواحة حينما ودع النبى والمسلمون قال له : يا رسول (ص) انك قادم الى بلد السجود فيه قليل فأكثر السجود

فقال بن رواحة : زدنى يا رسول الله وتر يحب الوتر .. فقال يا بن رواحة ، ما عجزة فلا تعجزن إن أسـأت عشراً أن تحسن واحدة
فقال بن رواحة : لا أسألك عن شئ بعدها

وانه لما ودع مع الأمراء رسول الله (ص) بكى فقالوا له : ماذا يبكيك يابن رواحة فقال : أما والله مابى حب الدنيا ، ولا صبابة بكم، ولكننى سمعت رسول الله (ص) يقرأ آية من كتاب الله عز وجل يذكر فيها النار فلست أدرى كيف لى بالصدور بعد الورود، فقال له المسلمون: صبحكم الله ودفع عنكم، وردكم الينا صالحين.

إن موقف بن رواحة ليشرف كل مسلم فقد كان زيد بن حارثة وجعفر بن أبى طالب يريان أن يخبروا رسول الله بعدد المسلمين الذى تجاوز المائتى ألف.

قال ابن رواحة لمجلس الحرب من أمراء الجيش ورؤساء القبائل : يا قوم ان الذى تكرهون للذى خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم الا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به والله لقد رأينا يوم بدر ما معنا الا فرسان ويوم أحد فرس واحد فأنطلقوا بنا فانما هى احدى الحسنيين اما ظهور عليهم فذلك
الدليل وعدنا نبينا وليس لوعده خلف واما الشهادة فنلحق بالشهداء نرافقهم فى الجنة.
إن كلمات ابن رواحة البليغة اثرت فى نفوس الجيش وأثارت حماسهم 0

وهكذا كانت الشهادة لعبد الله بن رواحة مطلب ناله فى هذه الغزوة الشهيرة رحم الله عبد الله بن رواحة الأمير الشهيد وشاعر على سرير من ذهب فى الجنة0

لقد خطب رسول الله (ص) فى الجنود فقال : أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا.

أغـزوا بسم الله فى سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تفلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا

كانت هذه كلماته الى المسلمين : فلينصرنا الله ويؤيد الاسلام والمسلمين هيا نلحق بإخواننا

لقد كانت غزوة مؤتة بداية لهذا المدّ الأسلامي الكبير ، المدّ الذي أخترق بلاد الأندلس وسار حتى مشارف أوروبا .. إن الصيحة التي أطلقها ابن رواحة فوق تلك البلاد البعيدة كانت النفير لأبنائها المسلمين فأنطلقوا سراعاً إلى مشارف روسيا وحطموا أسوارها ودمروا قلاعها واستولوا على ثلاثة أرباعها.

لقد كان عبد الله بن رواحة يعدّ نفسه لهذا اليوم .. لينال الشهادة بعد أن يقدم خيراً لدينه وللمسلمين .. أنهم لم يكونوا يطلبون الموت فراراً من الحياة .. ولكنهم كانوا يحرصون على الموت .. حتى ينتشر دين الله في ربوع الأرض مشارقها ومغاربها ..

قتل عبد الله بن رواحة بعد أن وقف على مشارف أرض الروم ، وكأنه يقول لمن يأتي بعده من جنود المسلمين ، هذا هو الطريق لنشر دين الله في تلك البقاع مهيأ ، بعد أن أرتوى بدماء الشهداء .. رحم الله عبد الله بن رواحة الصحابي الجليل

الـــنـــهـــــايــــة





المراجـع

1- البداية والنهاية أبو الفداء الحافظ بن كثير
2- الكامل في التاريخ أبن الأثــير
3- الجامع لأحكام القرآن القرطبي
4- صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم
5- السيرة النبوية لأبن هشام
6- رجال أنزل الله فيهم قرآنا د. عبد الرحمن عميرة
7- حياة الصحابة محمد يوسف الكاندهلوي
8- الخلفاء الراشدين عبد الوهاب النجار
9- تاريخ الإسلام للذهبي
10- الطبقات الكبرى لأبن سعد


موافقة الأزهر رقـم / 9692 / 14 بتاريخ / 6 / 6 / 2007


إلى اللقـاء مـع شخصيـة جـديـدة مـن رايــات الإســـلام
1- أبـو بـكــر الصـديــق 2- بــــلال بـن ربــــاح 3- سعـد بن أبي وقـــاص
4- عـبـد الله بـن مـكـتــوم 5- حـفـصـة بنـت عـمــر 6- الــزبيــر بـن الـعــــوام
7- أبو سفيــان بن حـرب 8- الــنـــجــــــاشــــي 9- أبي عبيدة بن الجراح
10- عائشة بنت أبي بكر 11- سـلمـان الفـارسـي 12- عبد الله بن رواحــة
13- زيـد بـن حــارثـــة 14- عثمان بن مظعـون 15- زينــب بنـت جـحـش
16- عـبـادة بن الصـامـت 17- عبد الله بن جحـش 18- حاطب بن أبي بلتعة
19- جعفر بن أبي طالب 20- حـذيفـة بن اليمـان 21- ســراقـة بـن مـالـك
22- فـاطـمـة الـزهـــراء 23 - مصعـب بن عميـر 24-عـــمــار بـن يـاســــر
25- مـعـــاذ بـن جــبــل 26- أســامـة بـن زيـــد