مجموعة قصص دينية للأطفال(رايات الإسلام ) أبو سفيــان بن حـرب - تأليف / علي حسن العتر

مقـدمـة

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) صدق الله العظيم
سورة التوبة آيـة 100

تبارك الله رب العالمين ونحمده على ما أولىَ علينا من نعمه ، ونصلّي على رسوله الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين ، سبحان الله العليّ العظيم ، أنزل وبشّر ، له الملك وهو على كل شيء قدير ، أنزل القرآن فجعله معجزة للعيان ، أكمل به الدين وأقامه حجة على الخلق أجمعين .

عند بدء إنتشار الدين الإسلامي في مكة المكرمـة وهجـرة الرسول (ص) إلى المدينة المنورة بعد أن اشتد إيذاء الكفار له ، كان لنفر كبير من الصحابة المؤمنين برسول الله (ص) مواقف عظيمة شهد لها التاريخ ، وأصبحت نبراساً يضيء لمن بعدهم الطريق إلى الهداية والإيمان بدين الحق.

ومن الصحابة والمسلمين من كانت لهم مواقف مع الرسول يسألونه ويستفسرون ، فكان (ص) يدعو الله كي يرشده إلى الرأي الصواب .

وكان الرسول (ص) يلقى من الكفار والمشركين مقاومة شديدة لنشر دين الحق والهداية ، وتتعدد المواقف والمشاهد التي يعجز البشر عن تفسيرها .

وفي هذه السلسلة من القصص القصيرة سنتحدث عن هذه الشخصيات وتلك المواقف في


رايـــات الإســــلام

سنتحدث فى هذه الحلقة أعزائى الشباب عن أحد رؤساء قريش فى الجاهلية معروف بحبه للتجارة يهيم دائما فى أرض الله باحثا عن الرزق إنه سفيان بن حرب رحمه الله ، فقد ولد قبل حادث الفيل بعشر سنوات وكان يجهز التجارة بماله وأموال قريش الى الشام وغيرها من أرض العجم.

ابنه معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه أحد كتاب الوحى لرسول الله (ص) ، وابنته رملة زوج الرسول (ص) وإحدى أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم

كان من المناوئين لرسول الله (ص) والمحاربين لدعوته .. واشترك مع قريش فى مقاطعة بنى هاشم لا ينكحوهم ولا يبيعونهم شيئا ولا يبتاعو منهم 0

بلغ محمد (ص) مدخل الغار فالتفت خلفه فاذا بنور يملأ ما بين المشرق والمغرب ، واذا بالنسيم يهب رخاء له تسبيحات تشرح الصدر ودخل غار حراء ليرابط مع الله ويتدبر ويتفكر ويسعد غاية اللذة بلذة المناجاة ويفتح نفسه لتلقى كنوز السماء ، فصفـا قلبه من من شواغل الدنيا 0

كذا كان محمد بن عبدالله يذهب الى الغار وهو لا يعلم انه سيكون نبى هذه الامة ، وجاءت ليلة القدر أعظم ليلة فى تاريخ الوجود وحانت اللحظة التى بشر بها كل الانبياء ، وأتى ملك الوحي بالشريعة الغراء لتنير الأرض كلها.
**********

في غار حراء ونور ساطع يملأ المكان حتى يخطف الأبصار.. واذا الملائكة تنزل والروح فيها باذن ربهم من كل أمر، واذا بأنوار تشرق فى الغار ومحمد قائم يدعو ربه ، جاءه الملك فقال : اقـرأ .. فقال محمد (ص) فى خوف ما أنا بقارئ .. فحبس نفسه حتى ظن محمد (ص) أنه الموت ثم أرسله فقال : اقـرأ .. فقال محمد (ص) : ما أنا بقارئ فحبس نفسه حتى ظن محمد (ص) أنه الموت0
ثم أرسله فقال : اقـرأ .. فقال محمد ما أقـرأ

ويزداد النور فى السماء مع صدى صوت جبريل الأمين يقول :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)
سورة العلق آيـة 1 – 5

فقرأها محمد (ص) فانصرف عنه فخرج محمد مرعوبا من الغار حتى إذا ما كان فى وسط من الجبل سمع صوتا من السماء يقول : يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل.

فرفع رأسه (ص) الى السماء ينظر فإذا جبريل فى صورة رجل صاف قدميه فى أفق السماء يقول : يا محمد انت رسول الله وأنا جبريل فوقف ينظر اليه فما يتقدم وما يتأخر وجعل يصرف وجهه عنه فى آفاق السماء فلا ينظر من ناحية منها إلا رآه كذلك فما يزال واقفا ما يتقدم أمامه وما يرجع وراءه.

وهكذا كان ظهور جبريل عليه السلام للرسول الكريم ليبشره بالنبوة ليكون سيد المرسلين وخاتم الانبياء (ص)

**********
في أحد الأسواق بالشام والتجار يبيعون ويشترون والناس تتحرك فى كل اتجاه ورجلان جالسان فى السوق يتحدثان وهما أبو سفيان ورجل آخر وبينما هما يتحدثان يقترب منهما أحد الرجال ويعطى أبا سفيان رسالة ويخبره بأنها رسالة هامة من مكة

يعتدل أبو سفيان فى جلسته ويمد يده نحو الرجل ويأخذ الرسالة ثم ينصرف الرجل ويفتح الرسالة فيظهر عليه الغضب فيسأله الرجل الذى يجلس معه : ماذا فى الكتاب يا أبا حنظلة ؟

يبدو أبو سفيان مهموما وهو يحدثه : ان محمداً قائم فى ابطح مكة يقول : أنا رسول الله أدعو الى الله

ويقترب منهم فى هذه اللحظة مجموعة من اليهود ويتحدث أحدهم اليه : بلغنى أنكم تعرفون هذا الرجل الذى يدعى النبوة ؟ فردّ عليه أبو سفيان : نعم نعرفه

ناشدتك الله هل كان له صبوة ؟ فيفكر أبو سفيان قليلا ثم يجيب : لا والله ولا كذب ولا خان ولا كان .. إسمه عند قريش الا الصادق الأمين

فسأله يهودى : هل كتب بيده ؟ فقال لا يكتب
وهنا ينظر اليهود لبعضهم ويصيحون فى صوت واحد .. ذبحت يهود وقتلت يهود .. ويتركه اليهود مسرعين وهو مشدوه بما قالوه.. وهنا قال له زميله : يا أبا سفيان لعلك تود ان تؤمن به ؟
وصاح أبو سفيان فيهم :لا أؤمن به حتى أرى الخيل فى كداء فسأله الرجل باستهزاء : كيف تطلع الخيل على كداء وهو جبل وعر ؟

هكذا كان رأى أبو سفيان ولو اخترق بصره حجب الغيب لرأى خيل خالد بن الوليد تطلع على كداء يوم فتح مكة يوم أخذ العباس بن عبد المطلب الى رسول الله (ص) ليعلن إسلامه

وركب أبو سفيان راحلته مسرعا حتى أقبل على أمية بن أبى الصلت بالطائف فقال له أبو سفيان يا أبا عثمان قد كان من أمر الرجل ما قد بلغك وسمعته 0

وردّ عليه أبو عثمان وهو أمية بن خلف .. والله ما كنت لأومن برسول من غير ثقيف أبدا.. وما يمنعنى الا الإستحياء من نساء ثقيف ، إنى كنت أحدثهن أنى هو ثم يريننى تابعا لغلام من بنى عبد مناف .. كأنى بك يا أبا سفيان قد خالفته ثم قد ربطت كما يربط الجدى حتى يؤتى بك اليه فيحكم فيك ما يريد..وتحقق كلام أمية بن خلف يوم الفتح العظيم

إقتربت مجموعة من اليهود والمشركين نحو أبي سفيان وهو جالس حول نار ويحدثهم أبو سفيان مرحباً : أهلا وسهلا باليهود أخواننا وأحب الناس الينا من أعانونا على حرب محمد0

يهودى: مرحبا برجال قريش واشرافها إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله0
أبو سفيان: يا معشر يهود .. إنكم أهل الكتاب الاول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه؟
يهودى : أنتم أولى بالحق ودينكم خير من دينه لانكم تعظمون هذا البيت وتقومون على السقاية وتنحرون البدن وتعبدون ما كان آباؤكم يعبدون0
أبو سفيان : أذن يجب ان نتفق جميعا على حرب محمد ونتخلص منه إلى الأبد.
يهودى: وسوف نتوجه الى عطفان ليستعدوا معنا وسيكون عيينه ابن حصن الفزارى أول المؤيدين لنا
أبو سفيان : انها لفرصة ذهبية لن تعوض وسيكون درسا للمسلمين لن ينسوه أبدا .
**********
كانت مجموعة من كفار قريش جالسين بجوار الكعبة يتشاورون فيما بينهم عما يفعلون مع محمد (ص) وهم أبو سفيان بن حرب وعتبة وشيبه إبنا ربيعة وأبو جهل وعبد الله بن أمية وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة فصاح فيهم أبو جهل.
أبو جهل : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه

وبعث كفار قريش إلى محمد رسولآ يقول له: إن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك فأتهم ، فجاءهم رسول الله (ص) وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم قبول ، وكان رسول الله (ص) حريصاً على إرشادهم ويعزّ عليه عَنَتُهم ، حتى جلس اليهم.

ويتحدث أبو سفيان : يا محمد ! إنا قد بعثنا اليك لنكلمك ، وإنا والله ما نعلم رجلآ من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك.
ويتدخل أبو جهل : لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة ، فما بقي أمر قبيح إلآ قد جئته فيما بيننا وبينك

ويتكلم الوليد بن المغيرة : يا محمد .. سل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به ، فليسيرّ عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنا وليخرق لنا فيها أنهاراً كأنهار الشام ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا ،

يتحدث أمية بن خلف : وليكن فيمن يبعث لنا قصي بن كلاب ، فإنه كان شيخ صدق ، فنسألهم عما تقول ، أحق أم باطل ، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك ، وعرفنا منزلتك من الله تعالى ، وأنه بعثك رسولآ كما تقول

قال رسول الله (ص) ما بهذا بعثت إليكم إنما جئتكم من الله تعالى بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به أليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علىّ أن أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم .

يتحدث أبو سفيان : سل ربك إذاً أن يبعث معك ملكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك ، واسأله فليجعل لك جناناً وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمس ، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولآ كما تزعم .

قال رسول الله (ص) ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربّه هذا وما بعثت بهذا إليكم ولكن الله بعثني بشيراً ونذيرا ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم .

يحدثه أبو جهل : فأسقط السماء علينا كِسفاً كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل .

قال رسول الله (ص) ذلك إلى الله عزّ وجلّ إن شاء أن يفعله بكم فعل

يتحدث أبو سفيان : يا محمد ، فما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب ، فيتقدم إليك فيعلمك بما تراجعنا به ، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به ، إنه قد بلغنا إنما يُعلِمكَ هذا رجل من اليمامة يقال له الرحمن ، وإنّا والله لا نؤمن بالرحمن أبداً ، فقد أعذرنا إليك يا محمد ، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا .

ونسمع صوتا يرتل آيات من القرآن الكريم ..
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (٩٣) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (٩٥) صدق الله العظيم

سورة الأسراء أيـة 90- 95
اتفق زعماء الشرك والكفر فيما بينهم على حرب محمد وكسر شوكه المسلمين ولكن عندما وصلت قوات الكفر الى المدينة وجدوا خندقا هائلا حول المدينة وحاولوا اختراقه عبثا ، وحاول بعض ابطال قريش ومنهم عكرمة ان يتحينوا الفرصة للقتال.

وبحثوا عن مكان ضيق يعبرون منه واقتحموا الخندق وتصدى لهم علي بن ابى طالب فى نفر من المسلمين فقتل عمر بن ود وفر باقى المشركين ومنهم عكرمة وعادت قريش أشد ما تكون خزيا وعارا0

ولم يمكنها الله مما أرادت وعاد عكرمة يفكر فى الامر ويتسائل لمَ عصم محمد عن الهزيمة على هذا النحو ؟

كيف نجا بهذا العدد القليل امام هذا العدد الهائل من قريش ؟ ..
وكيف اشتدت الرياح حتى فعلت بالاحزاب ما فعلته ؟ .. ثم يعودون على هذا النحو لم يحققوا حربا ، ولم يجنوا نصـرا ، ولم يحفظوا إبـلا ..إن محمدا(ص) حقق نصراً بإذن الله على الكفار وتعجبوا كيف هزموا من المسمين.

بعد هزيمة الكفار فى غزوة الأحزاب ظل الكفار ليلا ونهارا يفكرون فى طريقة للانتقام من محمد رسول الله (ص) حتى يخمدوا دعوة الاسلام بين ربوع الجزيرة العربية وكان أبو سفيان لا ينام الليل يفكر فى طريقة لقتل محمد..ولكنه لم يكن يعلم ان الله بشر محمدا بفتح بلاد الشام والروم واليمن ومصر لينتشر الاسلام فى ربوع الارض جميعا باذن الله 0

***********




كان أبو سفيان بن حرب يركب جملاً متجها للمدينة ويدور فى خاطره ما قاله أمية بن ابى الصلت قديما عندما كانوا فى رحلة للشام وحدثه عن محمد (ص) ، النبي الجديد الذى سيبعثه الله رسولا يدعو لدين جديد .. محمد رسول الله (ص)0

وفي خان بالشام جلس أبو سفيان بن حرب وأمية بن أبى الصلت يتحدثان فقال أبن أبى الصلت: هل لك يا با سفيان فى عالم من علماء النصارى اليه يتناهى علم الكتاب تسأله
أبو سفيان: لا أرب لى فيه ، والله لئن حدثنى بما أحب لا أثق به ، ولئن حدثنى بما اكره لاجدن منه

ويأتى شيخ من النصارى ويجلس ويتحدث أبو الصلت إلى أبي سفيان : ما يمنعك ان تذهب الى هذا الشيخ ؟
أبو سفيان: لست على دينه
أبو الصلت: فأذهب إليه فانك تسمع منه عجبا- أثقفنى انت ؟
أبو سفيان: لا ولكن قرشى
أبو الصلت: فما يمنعك من الشيخ ؟ والله انه ليحبكم ويوصى بكم
أبو سفيان: ألا نرحل ؟
أبو الصلت: وهل بك من رحيل ؟
أبو سفيان: نعم
أبو الصلت: ألا تحدث يا ابا سفيان
أبو سفيان: وهل بك من حديث ؟ والله ما رأيت مثل الذى رجعت به من عند صاحبك
أبو الصلت: أما إن ذلك لشئ لست فيه ، انما ذلك لشىء وجلت منه من منقلبى
أبو سفيان: وهل لك من منقلب ؟
أبو الصلت: أى والله لأموتن ثم لأحيين
أبو سفيان: هل انت قابل امانى ؟
أبو الصلت: على ماذا
أبو سفيان: على انك لا تبعث ولا تحاسب
يضحك أمية ثم يحدث أبو سفيان
أمية: بلى والله يا ابا سفيان لنبعثن ثم لنحاسبن وليدخلن فريق الجنة وفريق النار

يضحك أبو سفيان من كلام أمية ويسرح بفكره بعيدا لكلام محمد رسول الله (ص) ففى القرآن ايضا يردد ذكر الجنة والنار ويحدث أمية
أبو سفيان: ففى أيهما انت أخبرك صاحبك ؟
أبو الصلت: هيا ابا سفيان
يقومان من مجلسهما ويخرجان ويسيران وهما يكملان الحديث
أبو الصلت: حدثنى عن عتبة بن ربيعة إيجتنب المظالم والمحارم
أبو سفيان: أى والله
أبو الصلت: ويصل الرحم ويأمر بصلتها
أبو سفيان: أى والله
أبو الصلت: وكريم الطرفين وسط العشيرة
أبو سفيان: نعم
أبو الصلت: فهل تعلم قرشيا أشرف منه ؟
أبو سفيان: لا والله ما اعلم
أبو الصلت : أمحوج هو ؟
أبو سفيان: لا بل هو ذو مال كثير
أبو الصلت: وكم أتى عليه السن ؟
أبو سفيان: زاد على المائة
أبو الصلت: فالشرف والمال والسن أزرين به
أبو سفيان: ولم ذاك يزرى به ؟ لا والله بل يزيده خيرا
أبو الصلت: هو ذاك أبو سفيان
يتذكر أبو سفيان كلام أبى الصلت وكأنه قادم من الفضـاء وهو يقول له : هو رجل من العرب .. من أهل بيت يحجه العرب هو من أخوانك من قريش ..رجل حسن حين دخل الى الكهولة يجتنب المظالم والمحارم ويصل الرحم ويأمر بصلتها .. وهو محوج كريم الطرفين متوسط فى العشيرة .. اكثر جنده من الملائكة .

وسرت فى أبي سفيان رهبة وخـوف شديد لما رنّ فى أغوار نفسه هذا الكلام ونسمع صوتاً يأتي من السماء :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)
سورة الأنفال 7 - 10

كان أبو سفيان يحدث نفسه وهو راكب على الجمل حيث سرت فى بدنه قشعريرة هزته.. لقد واتته ذكريات قتاله مع محمد واصحابه كانت كل الظروف المادية تؤكد سحق المسلمين ولكن النتائج كلها كانت على عكس كل تقدير.

تقوضت القوى المتفوقة فى العدد والعتاد أمام قوة خفية ، إنهم الملائكة الذين نصروا محمداً كما قال أمية بن ابى الصلت وهم في رحلتهم السابقة للشام حيث عاد الى مكة قبل ان يعود اليهم محمد بن عبد الله من غار حراء يزعم انه رسول الله رب العالمين

وقال أبو سفيان وهو يحدث نفسه : لماذا لا تذهب الى المدينة لتعلن على الملأ إسلامك كما فعل عمر بن العاص وخالد بن الوليد وسادات قريش من قبلهم ؟
ثم يصيح بصوت عال : أو يذهب شرفى ؟

ويتذكر أبو سفيان وهو فى رحلته السابقة للشام كلام أمية بن الصلت ويدور حوار بين ابى سفيان وضميره وهو يتذكر كلام أمية
ويطرق أبو سفيان ويتابع سيره وهو حزين مهموم وراح يسرع الخطى ليفر من اشباح الماضى

**********
كان أبو سفيان يركب حصانه وحكيم بن حزام يتحسسان الأخبار عن محمد لخوفهم من أن يهاجمهم فى مكة وقد عرفوا أنه خرج فى حرب لا يعرفون وجهته ، رأى أبو سفيان على البعد السنة النيران فاسرع الخطى وصك آذانه صهيل الخيل لكأنه الرعد وانتابه القلق وشعر بالخوف الشديد

جرى أبو سفيان وحكيم نحو معسكر المسلمين وهو يردد بخوف شديد : ما رأيت نيراناً قط ولا عسكرا هذه نيران عرفة .. وكان يرتجف خوفا من الرأس الى القدم
وقال حكيم :هذه والله خزاعة حشمتها الحرب
أبو سفيان: خزاعة أذل واقل من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها

وارتفع صوت سكون الليل ينادى يا ابا حنظلة كان هذا صوت العباس عم الرسول فالتفت ناحية الصوت وقال أبو سفيان أبوالفضل؟
قال العباس نعم
أبو سفيان: مالك فداك ابى وامى ؟
قال العباس والله هذا رسول الله (ص) فى الناس قد جاءكم بما لا قبل لكم به
أبو سفيان: واصباح قريش والله : فما الحيلة فداك ابى وامى

قال العباس لئن ظفر بك لينضربن عنقك ، فاركب فى عجز هذه البغلة حتى آتيك رسول الله (ص) فاستأمنه لك فركب أبو سفيان .. ورجع الحكيم الى مكة وصل العباس الى معسكر المسلمين فقال رسول الله (ص) للعباس : اذهب به ياعباس الى رحلك فاذا أصبحت فائتنى به ، وذهب به الى راحلته ولم يعرف النوم وراح يفكر فى ايذائه للرسول (ص) وأيقن أنه هالك لا محاله.
وجاء صوت آذان الفجر ففزع أبو سفيان وهب من نومه مذعورا وسأل العباس.
أبو سفيان: يا أبا الفضل ما للناس يتصايحون .. هل أذنت الحرب ؟
قال العباس لا ولكنهم قاموا الى الصلاة وخرج العباس للصلاة ووقف أبو سفيان بباب الخيمة ينظر للمسلمين بين الركوع والسجود
أبو سفيان: ما رأيت ملكا مثل هذا ملك كسرى ولا ملك قيصر ولا ملك بنى الأصفر.

أخذ العباس أبا سفيان حتى دخل على رسول (ص) فقال له رسول الله ويحك يا أبا سفيان ، الم يئن لك بأن تعلم انه لا اله الا الله ؟

أبو سفيان: بأبى أنت وأمى ، ما أحلمك واكرمك واوصلك : ظننت انه لو كان مع الله اله غيره لما أغنى عنى شيئا بعدهما قال رسول الله (ص) ويحك يا ابا سفيان الم يئن لك بأن تعلم انى رسول الله.

وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يريد ضرب عنقه ولكن رسول الله (ص) منعه من ذلك فقال له العباس : ويحك أسلم واشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك فخاف على عنقه وقال بسرعة.

أبو سفيان: اشهد ان لااله الا الله .. واشهد ان محمدا رسول الله

قال أبو سفيان لرسول الله (ص) يا رسول الله أدع الناس بالأمان ، أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها أآمنون هم ؟

فقال رسول الله (ص) نعم من كف يده وأغلق داره فهو آمن ، وقال العباس يارسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا.

قال رسول الله ، نعم من دخل دار ابى سفيان فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ومن القى سلاحه فهو آمن وقف أبو سفيان يرقب الجيش وهو يتقدم نحو مكة وكان يرتجف فرقا على قريش وكان يمتلىء دهشه من عظم ذلك الجيش الذى كونه رسول الله (ص)

قال له أبو سفيان : يا رسول الله أمرت بقتل قومك ؟ فانه زعم سعد ومن معه حين مر بنا انه قاتلنا فانه قال : اليوم اذل الله قريشا انشدك الله فى قومك فانت ابر الناس وأرحمهم وأوصلهم يا رسول الله فانا لا نأمن من سعد ان يكون له فى قريش صولة.

قال رسول الله (ص) يا أبا سفيان : كذب سعد ، اليوم يوم رحمة ..اليوم أعـزّ الله فيه قريشا ، قال العباس لابى سفيان إلتجيء الى قومك فامتطى أبو سفيان راحلته وانطلق يعدو حتى دخل مكة وراح يصرخ باعلى صوته ووقف أعلى جبل يحدث الناس.

أبو سفيان: يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل بيتي فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن.



دخل (ص) مكة وهو راكب على ناقته القصواء وعليه عمامة سوداء ولواءه ابيض ورايته العقاب السوداء شهدت خيبر والفتح وكان الى جانبه أبو بكر رضى الله عنه ورسول الله (ص) يقرأ سورة الفتح حتى وصل الى الكعبة وطاف بها سبعا على راحلته.

وكان بالكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجاء رسول الله (ص) معه قضيب فجعل يهوى به الى كل صنم منها فيخر لوجهه وهو يقول : جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا وانطلق المسلمون يدفون الى الكعبة دفيف النسور وأمر رسول الله (ص) بلال بن رباح يؤذن للصلاة فأذن بلال بصوت قوى
الله اكبر ..0 الله اكبر الله اكبر ..0 الله اكبر


شاء الله سبحانه وتعالى ان يسلم أبو سفيان ويدعو قومه الى الاسلام، وفتحت مكة وحطمت الاصنام فى داخلها.

أسلم أبو سفيان بن حرب وهو الذى وقف فى طريق الدعوة زمنا طويلا .. أسلم والد معاويـة كاتب الوحى لرسـول الله (ص) واستمر بمسيرة الاسلام ينصر الرسول ويجاهد فى سبيل الله حتى توفى رسول الله (ص) (ص) .

وكانت معركة اليرموك وأراد أن يكفر عما فعله تجاه المسلمين قبل إسلامه وأبلى بلاء حسنا وقاتل قتال الابطال حتى فقئت عينه وكان يصبح أثناء المعركة بصوت يغلب على كل الاصوات ويقول يانصر الله اقترب وهو يحارب تحت راية ابنه يزيد.


ومات رحمه الله عن ثمانية وثمانين عاما فى السنة الثالثة والثلاثين من الهجرة فى خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه رحم الله أبا سفيان بن الحكم فقد عاش بداية حياته كافرا ولكنه مات مسلما مؤمنا بالله ورسوله رحمه الله

الـــنـــهـــــايــــة



المراجـع

1- البداية والنهاية أبو الفداء الحافظ بن كثير
2- الكامل في التاريخ أبن الأثــير
3- الجامع لأحكام القرآن القرطبي
4- صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم
5- السيرة النبوية لأبن هشام
6- رجال أنزل الله فيهم قرآنا د. عبد الرحمن عميرة
7- حياة الصحابة محمد يوسف الكاندهلوي
8- الخلفاء الراشدين عبد الوهاب النجار
9- تاريخ الإسلام للذهبي
10- الطبقات الكبرى لأبن سعد


موافقة الأزهر رقـم / ................ بتاريخ / .....................


إلى اللقـاء مـع شخصيـة جـديـدة مـن رايــات الإســـلام
1- أبـو بـكــر الصـديــق 2- بــــلال بـن ربــــاح 3- سعـد بن أبي وقـــاص
4- عـبـد الله بـن مـكـتــوم 5- حـفـصـة بنـت عـمــر 6- الــزبيــر بـن الـعــــوام
7- أبو سفيــان بن حـرب 8- الــنـــجــــــاشــــي 9- أبي عبيدة بن الجراح
10- عائشة بنت أبي بكر 11- سـلمـان الفـارسـي 12- عبد الله بن رواحــة
13- زيـد بـن حــارثـــة 14- عثمان بن مظعـون 15- زينــب بنـت جـحـش
16- عـبـادة بن الصـامـت 17- عبد الله بن جحـش 18- حاطب بن أبي بلتعة
19- جعفر بن أبي طالب 20- حـذيفـة بن اليمـان 21- ســراقـة بـن مـالـك
22- فـاطـمـة الـزهـــراء -23 مصعـب بن عميـر 24-عـــمــار بـن يـاســــر
25- مـعـــاذ بـن جــبــل 26- أســامـة بـن زيـــد