الله أكبر الله أكبر نداء الصلاة لكل المسلمين حول العالم نفس النداء يكرر خمس مرات في اليوم، الأصوات قد تتباين لكن العبارات تبقى نفسها، لم تتغير كلمة واحدة منذ أول أذان صدح به بلال -رضي الله عنه- قبل ألف وأربعمائة سنة قبل مجيئ التكنولوجيا الحديثة، كان الأذان يؤدى من أعلى المآذن ومع بدء النمو السكاني دعت الحاجة إلى بناء مساجد أكبر نظراً لتزايد أعداد المصلين ومع تطور الفن المعماري تم بناء مساجد فخمة في إسبانيا لم يعد لدولة الأندلس الإسبانية وجود لكن مسجد قرطبة الشامخ هو رمز تذكاري خالد لوجود دولة إسلامية تبعد آلاف الأميال عن بلاد العرب، رمز تراث الماضي الإسلامي أصبح معلما تاريخياً عالمياً في الهند والباكستان المساجد التي بنيت في عهدي شاه جيهان وأورين زيب مازالت قيد الاستعمال جمال المساجد وفخامتها هما رمز للأذواق الرفيعة لأباطرة المغول، حتى قبل الامبراطورية المغولية بنيت مئذنة طويلة على النمط المعماري الأفغاني في القرن الثاني عشر في ديلهي القديمة وهي بمثابة معلم إسلام في الهند.
المعلق الثاني:
جاء الإسلام إلى الصين في وقت مبكر وبنى المسلمون مساجد عديدة في كل أنحاء الصين مسجد طابع معماري فريد يعكس هوية الأقاليم وهكذا نجد أن حضارة الإقليم تجسدت في البناء بإمكان المسلمين الصلاة لله تعالى في أي مكان بشرط أن يكون المكان طاهرا ولا قبور فيه ولا مخالفات شرعية لذا فإن المساجد لم تشيد فقط لأداء الصلوات بل ولإقامة نشاطات تعود بالنفع على المجتمع.
المعلق :
وردت في القرآن الكريم أسماء أقدس ثلاثة مساجد: المسجد الأقصى في القدس الشريف قال تعالى: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {1} [الإسراء: 1] المسجد الحرام في مكة المحرمة قال تعالى { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }96} [آل عمران: 96] والمسجد النبوي في المدينة المنورة.
بنيت المساجد لأداء صلاة الجماعة والشعائر الدينية الأخرى كما استخدمت لنشاطات تهدف إلى تطوير المجتمع إذن فالمسجد هو الخطوة الأولى نحو بناء دولة إسلامية.
بعد الهجرة من مكة إلى المدينة كان من أوائل أوليات النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بناء المسجد في قباء التي تبعد ثلاثة أميال جنوب شرق المدينة المنورة، كانت عمارته الأصلية في منتهى البساطة والتواضع ومع نمو الدولة الإسلامية تم اكتساب ثقافات ومهارات جديدة تمخضت عنها تصاميم جديدة في فن عمارة المساجد.
المعلق الثاني:
بعد ست سنوات من اختيار الخليفة الأول في العام العاشر للهجرة عام ستمائة واثنين وثلاثين ميلادية أصبحت الأقاليم التي تمثل في الوقت الحاضر كلا من سوريا والعراق أصبحت أقاليم إسلامية كما تم دحر الامبراطوريتين البيزنطية والفارسية وأسست جيوش المسلمين مدينتي الكوفة والبصرة وشرعت ببناء مساجد في الأقاليم المحررة، حتى إنهم حولوا بعضا من المعابد غير المستخدمة إلى مساجد.
أول مسجد في مصر شيد عام ستمائة وواحد وأربعين للميلاد عندما فتحت جيوش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص -رضي الله عنه- الإسكندرية حيث بنيت الفسطاط عاصمة مصر القديمة في البداية بني ليكون شبيهاً لمسجد قباء في المدينة صنعت الأعمدة من جذوع النخيل والسقوف من سعفها مسجد عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قائم في موقعه الأصلي عدا أنه جدد بضع مرات ليتسع لأعداد المصلين التي تزايدت، من بين أشهر المساجد في مصر مسجد الأزهر الذي بناه عام ثلاثمائة وثمانية وخمسين للهجرة تسعمائة وتسعة وستين للميلاد جوهر الصقلي إنه صرح مصان بشكل حسن.
إن المسجد لم يفتح أبوابه لاستقبال المسلمين الراغبين بأداء صلاة الجماعة فحسب بل تحول إلى مركز للتعلم العالي، وتدفق طلاب العلم إلى المسجد لينهلوا من مناهل المعرفة وأصبح أول وأقدم جامعة في العالم الإسلامي.
المعلق :
ليس المسجد مكاناً للصلاة فحسب بل وملتقا لكل المسلمين هنا يمكنهم التعرف على إخوانهم وتقوية أواصر الأخوة في الإسلام، وبالعودة إلى سيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- نجد أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- نفسه استخدم المسجد لأداء الصلاة ومركزا تعليمياً.
المسجد الكبير في المدينة استخدم على نطاق واسع للأغراض التعليمية، في المسجد كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يفسر للناس ما يوحى إليه من الله -سبحانه وتعالى-، وفي المكان ذاته كان يعقد الاجتماع أيضاً ويناقش الأمور المتعلقة بشئون المسلمين كل القضايا المهمة كانت تناقش في المسجد وفيه أديرت شئون القضاء بعبارة أخرى كان المسجد مكاناً للصلاة ومركزا اجتماعيا وسياسيا أيضاً في حياة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أهمية دور المساجد لن تحجبها أبداً تقلبات الزمن أو ما حصل لأنماط عمارتها وأشكالها من تغيرات، في الوقت الحاضر تعد جامعة الأزهر أهم جامعة دينية في العالم الإسلامي تضم قرابة مائة ألف طالب هل كان سيخطر ببال أحد أن ينمو الأزهر المسجد المتواضع ليصبح اليوم جامعة كبرى ومع أن المحاضرات تلقى في الأغلب في قاعات الدرس إلا أن المصلى يضم هو الآخر جلسات لتبادل الأحاديث الدينية، ومن بين المواضيع التي تدرس في هذه الجامعة العلوم القرآنية الأحاديث النبوية الشريعة علوم النحو والصرف الأدب العربي التاريخ والطب.
عبر تاريخه شهد الأزهر دفقين من طلاب العلم المسلمين كان الأول خلال الاحتلال المغولي لبغداد والثاني من طلاب العلم الغربيين الفارين من إسبانيا، في القرن الثالث عشر احتل الصليبيون المعتدون العديد من الإمارات الإسلامية في الأندلس وأغلقت الجامعات الإسبانية وبما أن السلطنة المصرية كانت الأقوى في العالم الإسلامي آنذاك، فقد أصبح الأزهر مركزا لاجتذاب طلاب العلم حتى يومنا هذا خرج الأزهر الآلاف من مشاهير العلماء الذين أسهموا كثيراً في خدمة الإسلام وأهله.
تطور عمارة المساجد وتصميمها يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل الأولى امتدت من أزمنة النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- والخلفاء الراشدين -رضي الله عنه- والعصرين الأموي والعباسي.
الثانية كانت خلال العهود الفاطمي والسلجوقي، والفارسي، والمملوكي والأندلسي، أما الثالثة فكانت في العهود الصفوي والفارسي والهندي والمغولي والعثماني.
كان لكل عصر أسلوبه المعماري المميز الذي يعكس التصاميم الفنية المحلية، وكانت النتائج أخلاطا جميلة من العمارة، وأيا كانت التصاميم التي استخدمت إلا أن العناصر الرمزية الإسلامية كالمآذن والقباب تشاهد بوضوح في كل تصميم.
مسجد السلطان أحمد، ومسجد أياصوفيا في استانبول مثالان واضحان على الامتزاج بين التصاميم المحلية والعناصر التقليدية، المسجدان متجاوران مسجد السلطان أحمد أو المسجد الأزرق بني في القرن السابع عشر وله قبة رئيسة محاطة ببضع قباب أصغر منها حجما، في حين لمسجد أياصوفيا قبة واحدة كبيرة فقط، وكانت النتيجة بكل تأكيد منظرا فخماً.
المعلق :
لقد أصبحت مساجد العهد العثماني مصدر إلهام للعديد من معماري المساجد حول العالم، الوظيفة الرئيسية للمئذنة هي تشكيل قاعدة مرتفعة للمؤذن يدعو منها الناس إلى الصلاة، مع أنه لم تعد لها ضرورة في أيامنا هذه بسبب مكبرات الصوت، وصارت عبئا ماديا لا طائل منه ويمكن بتكاليف بناءها فقط بناء مساجد أخرى فقط أو إنفاقها فيما يعود بالخير على المسلمين وهذا ينطبق أيضاً على الأموال الضخمة التي تنفق على زخرفة وتزيين المسجد دون أي فائدة تعود على الإسلام والمسلمين مع كونها مخالفة لهدي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وصحابته -رضوان الله عليهم-.
للمسجد الأزرق ست قباب في حين أن لمسجد أياصوفيا أربع قباب، وعنصر تناسق إلى حد ما.
في زمن النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- كان الأذان يؤدى من على سقف بيته المتواضع ويعتقد بأن أول مئذنة بنيت في فسطاط مصر عام اثنين وخمسين للهجرة ستمائة وسبعين للميلاد وتم تحويلها في عهد مصطفى كمال أتاتورك العلماني إلى متحف نتيجة ضغوط خارجية لتجريده من الصبغة الإسلامية وتمهيداً لجعله كنيسة من جديد.
المئذنة التي بدأت كأرضية مرتفعة لأداء الأذان تطورت لتصبح رمزاً لفن العمارة الإسلامية برج قطب منار في ديلهي القديمة في الهند شيد في أوائل القرن الثاني عشر بواسطة قطب الدين أيبك وهو من بين أقدم المباني الإسلامية في القارة الهندية، البرج مزخرف بالخط العربي وبأشكال زهرية ونقوش هندسية، للبرج بالطوابق الخمسة شرفة في كل طابق الطوابق الثلاثة الأولى بنيت باستخدام الحجر الرملي الأحمر في حين استخدم مزيج من الحجر الرملي الأحمر والرخام في الطابقين التاليين، قبة أصغر حجما كانت موجودة في أعلى هذا البرج لكنها دمرت في زلزال ضرب المنطقة عام ألف ومائتين وثمانية عشرة للهجرة الموافق عام ألف وثمانمائة وثلاثة للميلاد، كان البرج رمزا مهماً للانتصار الذي حققه الإسلام على آخر ملك هندوسي في ديلهي اكتمل بناؤها عام خمسمائة وخمسة وتسعين للهجرة الموافق لعام عام ألف ومائة وتسعة وتسعين للميلاد وبلغ ارتفاعه اثنين وسبعين مترا ونصف المتر وبقبة سليمة.
المعلق الثاني:
عند قاعدة قطب منار يوجد مسجد قوة الإسلام يعتقد بأنه أول مسجد بني في القارة الهندية وكان بني مكان معدن والمواد من المعبد السابق أعيد استخدامها في بناء المسجد قوة الإسلام لذا نجد أن أوجه التشابه بينه وبين المعبد القديم شديداً، وكان أمراً لا سبيل إلى اجتنابه كونه بني بأيدي بنائين محليين الإسلام يحرم على أتباعه نقش تصاميم أو تماثيل لمخلوقات حية، وعليه فإن النقاشين المسلمين والفنانين تحولوا إلى الأنماط الزهرية والأرابيسك في الزخرفة ومع ذلك فإن التأثيرات المحلية كانت تشاهد في التصاميم المستخدمة.
بارتفاعه البالغ أربعين مترا يعتبر برج مسجد هواشنشي في جوانجاو الأقدم في الصين هذا الارتفاع لا يساوي سوى نصف ارتفاع قطب منار في الهند، والذي شيد في القرن العاشر واستخدمه المؤذن لدعوة الناس إلى الصلاة كما أنه استخدم لمراقبة الهلال إضافة لكونه منارة للسفن التي تعبر مياه جوانجاو، ولهذا السبب عرف أيضاً باسم جوانتا.
إن المسجد هو الأقدم في الصين، ويعتقد بأنه بني خلال أسرة تانج الحاكمة، طوال عشرة قرون كان البرج أعلى بناء في جوانجاو في العام الهجري الثاني حدد الإسلام الأذان في خمسة أوقات في اليوم، في اجتماع مغلق أصغى الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المقترحات التي قدمت إليه من قبل صحابته -رضي الله عنهم- من بين المقترحات كانت هناك مقترحات النفخ بالبوق وقرع الناقوس وإشعال الناس إيذانا بحلول وقت الصلاة لكن تلك الأساليب كانت مستخدمة من قبل اليهود والنصارى وعبدة النار، خلال تلك الفترة حلم اثنان من صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالأذان كنداء للصلاة بلال ابن رباح -رضي الله عنه- بصوته العذب أصبح أول شخص يطلق صوته بالأذان في التاريخ الإسلامي، إنه يسمع إلى اليوم ولم تتغير منه كلمة واحدة منذ أن نادى به بلال بن رباح لأول مرة قبل أربعة عشر قرنا.
المنبر أو منبر الواعظ هو الهيكل الموجود في واجهة قاعة الصلاة في كل مسجد، ويقف الإمام على المنبر في صلاة الجمعة ليخطب بالمصلين وعادة ما يوضع المنبر على يمين المحراب، المحراب هو المكان أو الكوة المطلة على القبلة، ويقع دائماً في مقدمة قاعة الصلاة ويتجه دائماً نحو مكة المكرمة، قال تعالى { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 149] لذا فإن المصلين في المسجد سيعرفون دائماً اتجاه القبلة عندما يريدون تأدية صلواتهم في المسجد يشيد المنبر دائماً أعلى من قاعة الصلاة ليتمكن المصلون من رؤية الإمام وسماع الخطبة بوضوح خصوصا قبل اختراع مكبرات الصوت، في الماضي كانت مسألة تولية الخلفاء الجدد تبلغ هي الأخرى من على المنابر وهذا خير دليل على تأكيد الإسلام على مسألة عدم فصل الدين عن السياسة.
لم يكن المنبر مجرد مكان لإلقاء الخطب بل الطرح وشرح المواقف السياسية للدولة واقتداء بالرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يكن الخلفاء مجرد أدوات لإدارة الدولة الإسلامية بل كانوا أئمة يصلون بالناس ويلقون الخطب في صلوات يوم الجمعة وينبغي التنبيه هنا إلى أن المنبر النبوي الشريف كان مكونا فقط من ثلاث درجات أما المنابر التي تزيد على ثلاث درجات وفيها الزخارف والإضافات .. قبة وغير ذلك فهي كلها مخالفة لسنة محمد -صلى الله عليه وسلم- وهديه.
المعلق الثاني:
في كل يوم جمعة تحل صلاة الجمعة محل فرض صلاة الظهر ليتعين على كل مسلم حضور صلاة الجماعة، هذا هو المشهد في كل مسجد حول العالم، هذا هو محراب النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- في المسجد النبوي في المدينة المنورة حيث كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يصلي في الناس في نفس المكان قبل مئات السنين، كان المحراب مجرد كتلة صخرية تقدمت المسجد تبين اتجاه القبلة في الوقت الحاضر يزين المحراب بخطوط عربية رائعة، الناس الذين يأتون إلى هنا للصلاة يبذلون قصارى جهدهم للصلاة أمام المحراب، فالرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في نفس المكان، كما أن المكان هو جزء من الروضة، أو المنطقة المحصورة بين بيته ومنبره -عليه الصلاة والسلام- فقد قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه قال: ( ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة ).
المنبر الأصلي كان مجرد منطقة مرتفعة يقف عليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب في الناس في المدينة المنورة، هذه الصفحات هي من المصحف الذي كتب في فترة ما بين القرنين الثاني والرابع الهجريين هذه الآيات القرآنية كتبت على قطعة من جلد غزال بالخط الكوفي القديم، وكان الخط الكوفي مستخدما على نطاق واسع في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- واستمر استخدامه في زمن الخلفاء الراشدين -رضوان الله عليهم- ولم يكن هذا النوع من الخط يستخدم لكتابة الآيات القرآنية فقط بل أيضاً على العملات والقطع المزخرفة.
القادة المسلمون وعلماء الإسلام طالما ساندوا وحثوا على تطوير الخط الإسلامي وكان الخطاطون يكافئون على أعمالهم من قبل الخلفاء في عهد الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كانت الآيات القرآنية تكتب بالخط المستقيم ولم تضف خطوط خاصة أو رموز ولم تكن هناك مشكلة آنذاك فالعديد من الناس كانوا لا يزالون قادرين على حفظ القرآن عن ظهر قلب، لكن مع نمو الدولة الإسلامية ودخول المزيد من الناس غير الناطقين باللغة العربية في الإسلام دعت الحاجة إلى كتابة الآيات القرآنية بأسلوب ضابط للحروف والحركات حتى لا يقع خطأ في تلاوة كلام الله -عز وجل-، بعض الرموز أضيفت إلى الخط في عهد الخلافة الأموية.
كان علماء الإسلام مسؤولون عن تحديث الخط الكوفي فتحولت الأحرف البسيطة إلى أحرف جميلة واستخدمت من قبل المسلمين في كل أنحاء العالم، ازدهر الخط العربي في عصر الخلافة العباسية بين القرنين الثاني والسابع الهجريين، الخط المنسوب الذي ظل يستخدم كمرجع إلى اليوم ابتكره ابن مقلة الذي كان مسؤولا عن عملية تطوير فرضيات وأساليب الخط، وكان قد طور الأشكال الخطية باستخدام النماذج الهندسية الأحرف منحت أطوالا محددة وانحناءات.
تطور فن الخط من أكثر الأحرف بساطة إلى الأشكال المعقدة التي كانت جميلة لكن قراءتها سهلة وبإدماج التصاميم الزهرية نشر الخط العربي ودرس في كل الأقطار الإسلامية، كتبت بضع آيات مختلفة من القرآن الكريم على الأقواس والمداخل المقنطرة والمحاريب ومنابر المساجد وليست الآيات مجرد زخارف على الجدران بل تذكير بكلمات الله -عز وجل-.
ليس المسجد مجرد مكان آمن يتقرب فيه العبد إلى الله -عز وجل- بل هو مركز لتطوير المجتمع أيضاً، مسجد القرويين في المغرب بناه الحكام المرابطون في القرن الثالث الهجري، ويحظى المسجد بشهرة عريضة لأنه في العصور السابقة كانت جامعة إسلامية تخرج منها عدد كبير من طلاب علوم الإسلام كانت قد تمت توسعته وتجديده وإعادة بناءه بضع مرات المسجد القائم هو حصيلة عملية إعادة بناء أجريت في القرن السابع عشر الزخرفة تذكرنا بجمال مسجد قرطبة كما تذكرنا بعظمة الدولة الإسلامية في الأندلس.
فخامة عمارة مساجد قرطبة بمثابة شهادة للحضارة المتقدمة التي بلغتها الدولة الإسلامية قبل زمن طويل، الحرفية العالية بدت جلية عندما تمت إعادة تكوين الأنماط الزهرية والخطوط الهندسية والخط العربي من خلال استخدام قطع الفسيفساء الملونة.
عند النظر إلى قبة مسجد قرطبة لا يسع الناظر إلا أن يبدي إعجابه بدقة وجمال التصماميم الفنانون الأندلسيون كانوا مبدعين حقا ويتوخون الدقة في عملهم، أعمدة المسجد الرومانية تظهر بوضوح مدى التأثير البيزنطي خلال عملية بناءه، نظام معقد يدعم القبة الرئيسة لقبة قرطبة، مقابل المنبر توجد المقصورة أو المكان المخصص للخلفاء وبقية رجال الدولة المهمين، ومثل القبة زين المحراب بالخطوط العربية والأرابيسك وذلك باستخدام الفسيفساء، وليس من المستغرب أن تتأثر بعض الأبنية القديمة في إسبانيا بفن العمارة الإسلامية الخليفة الذي بنى مسجد قرطبة عبد الرحمن الداخل -رحمه الله - كان المسؤول عن توسيع رقعة الامبراطورية الأموية حتى الأندلس، فقد عمل على مدى اثنين وثلاثين عامة على تقوية أركان مملكته وكان قد وصل إلى قرطبة عام مائة وسبعة وثلاثين للهجرة سبعمائة وخمسة وخمسين للميلاد عقب سقوط الدولة الأموية على يد العباسيين، بعد عام واحد وفي سن الخامسة والعشرين أعلن نفسه الخليفة الأموي الجديد في قرطبة وأصبح المؤسس لأول دولة أموية خارج البلاد العربية، بخلاف الفسيفساء التي تتلألأ وتومض مهما مر عليها من سنين خبا تألق الحضارة الإسلامية في إسبانيا وطوى النسيان زمانها ولحسن الحظ مازال هذا المسجد يقف شامخا متين البنيان رغم أنه لم يستخدم منذ مئات السنين وهذه شهادة بحق المسلمين الذين جاءوا في الماضي بحضارة رائعة إلى هذا الجزء من أوربا.
المجازات المقنطرة المتداخلة بنيت في عهد الحكم الثاني وأصبحت النظام الداعم للأعمدة والشقوف الفكرة ذاتها استخدمت من قبل البنائين البيزنطيين.
بعد مضي قرنين على وجوده بدأ المسجد يخضع لعميات توسيع أجريت أكبرها بواسطة كل من عبد الرحمن الثاني والحكم الثاني والمنصور.
سقوط الحكم الأموي في قرطبة سجل بداية سقوط كل الأقاليم الإسلامية في إسبانيا على يد الصليبيين الإسبان آنذاك، مسجد قرطبة هو من بين جواهر فن العمارة الإسلامية التي ظلت سليمة في أوربا في الوقت الحاضر، عام ستمائة وثلاثة وثلاثين للهجرة، الموافق لعام ألف ومائتين وستة وثلاثين للميلاد دخل جيش قشتالة قرطبة منهياً بذلك خمسة قرون من حكم المسلمين هناك، سقطت الأقاليم الإسلامية الواحد تلو الآخر في الفترة الحصورة بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر غرناطة الواقعة على حافة شبه الجزيرة الأيبيرية كانت آخر إقليم خاضع لسيطرة المسلمين وذلك في عام ثمانمائة وسبعة وتسعين للهجرة الموافق لعام ألف وأربعمائة واثنين وتسعين للميلاد بدافع الحقد الصليبي ضد المسلمين الذي زاده اشتعالا فتح القسطنطينية على يد العثمانيين بفضل الله قبل نحو أربعين عاما من ذلك التاريخ، واليوم تعتبر منظمة اليونسكو مسجد قرطبة تراثا عالمياً تاريخه وعمارته الجميلة هما مصدر الجذب الرئيس لملايين السياح الذي يأتون إلى هنا.
المساجد في الماضي كانت مركز الإدارة كل النشاطات السياسة والاجتماعية للمجتمعات الإسلامية كانت تقام في المساجد بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت القضايا المتعلقة باختيار وانتخاب الخليفة الجديد تحسم في المسجد حتى في العصر الأموي كان المسجد ما يزال يستخدم للأغراض الإدارية والسياسية.
المعلق :
في العصر العباسي بدأت الإدارة تنتقل ببطء إلى عصور الخلفاء، خلال تلك الفترة برزت المساجد كأماكن للقاء العلماء، ثم أصبح التعليم أحد أبرز النشاطات التي يطلع بها المسجد وبالرغم من أن آلاف المساجد يتم بناءها حول العالم إلا أن هذا المسجد بالذات يذكر المسلمين دائماً بأن كل العروش زائلة وأن البقاء والعزة لله -عز وجل- وحده قال تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10].