المونودراما عالم مليء بالسحر والتوحد مع الذات
يوسف البادي
مما لا شك فيه أن المسرح بمفهومه الثقافي ظاهرة حتمية وضرورية للمجتمع إذ انه يلتزم برسالة فكرية وفنية تهدف إلى تأصيل القيم الإنسانية بما يتفق مع قيم وغايات أي مجتمع فضلا عن الارتقاء بذوق الجماهير وذلك بتنمية الحواس و العواطف إلى درجة من السمو الترفع 0و المسرح الذي يعتبر بحق أبو الفنون قاطبة تتجمع فيه كافة الفنون التعبيرية كالإضاءة و الموسيقى و الديكور و الحركة و الرقص و الكلمة المعبرة و الأغنية فقد انفرد هذا الفن بتلك الخاصية التي تتميز بتعددية مفرداته و التي تتداخل في تناغم وانسجام بين بعضها البعض في صور و أشكال تبعث على التأثير و التأثر مما يجعلنا نستشعر إننا أمام فن رفيع من شانه أن يعلم و يثقف ويمتع المتلقي بما يعود على المجتمع بالنفع الكبير هذا المنطلق يأتي اهتمام جامعة السلطان قابوس بإقامة المهرجانات المسرحية دعما و تشجيع لتطور و انتشار هذا الفن الرفيع وقد حضرت فعاليا هذا المهرجان ومن ضمن العروض التي استرعت انتباهي عرض مسرحية ( مجرد نفايات ) للكاتب الفنان قاسم مطرود ومن إخراج الفنان خالد العامري
النص :
كتب النص وفق أسلوب ( مونو دراما ) مسرحية الممثل الواحد وهذا النوع من النصوص ليس بالهين فالبناء فيه صعبا لما سيتكبده الكاتب من مشقة كبيرة في إظهار أوجه الصراع و الدقة في رسم الحوارات المناسبة للشخصية التي ستحاور نفسها بنفسها واختيار المفردات اللغوية المناسبة أيضا بحيث لا تؤدي إلى تعب ذلك الممثل الواحد الذي سوف يتحمل أعباء طرح النص على الجموع الغفيرة التي حضرت كي تتمتع بصوت لا تشوبه شائبة وكلمات نطقها لا يبعث على الملل.
المونودراما عالم مليء بالسحر والتوحد مع ألذات ولا أبالغ إذا قلت أن هذا الجنس من أصعب الأجناس الأدبية لأنه يعتمد على ممثل وحيد, هو الحامل الرئيسي لكل ما يدور من أحداث وأفعال على الخشبة وبالتالي يتطلب قدرة وموهبة عالية وبحث دائم عن أشكال ومفردات جديدة لإيصال فكرة العرض إلى المتلقي وتحكي المسرحية عن هم ذاتي يتقاطع مع مشاكل المجتمع وأن هذه المعاناة إنسانية تدعو للالتفات إلى قضايا المجتمع وتلفت النظر إلى كثير من المصادرات التي تحدث..مصادرات للأشياء وللأفراد وللذمم و الضمائر الميتة ظل النظام الذي يصادر كل شيء و أي شيء حتى صلة الرحم و الأخوة و الإخلاص و العواطف يصادر أي شيء حتى الأحلام المشروعة و غير المشروعة. أن لهذا العمل مجموعة من الرسائل وهذه سمة العمل الفني وطبيعة تكوينه و غالبا ما تكون المواضيع المطروحة في مثل هذا الفن ذات طابع مأساوي يقوم البطل بكشف سيرته الذاتية أمام جموع النظارة من المشاهدين حين اعتمد النص على مستويين زمنيين هما فلاش باك المعانات في المعتقل و الوقت الحاضر بشكل رئيسي و بما أن هذا العمل بالتحديد يلامس قضايا الإنسان وظروف معيشته وحياته و علاقاته الإنسانية بالآخرين حتى ولو ذلك الآخر هو اقرب المقربين إليه أي البطل من هنا جاءت حتمية تعدد مستويات المكان وقد طغى الجانب السردي على لغة العمل وسادت صيغة الفعل الماضي بوضوح بالرغم من وجود بعض الحوارات التي تستحضرها الشخصية من وحي ذاكرتها ( الزوجة , المحقق , العسكري ) 0
في حين يقوم البعض بتمجيد المونودراما ويعطيها ما للمسرح من خصوصيات وعناصر بل ويعول عليها في أنها يمكن أن تحفظ للمسرح قوته وخطوطه الكلاسيكية الخلفية من الاندثار بفعل عوامل التغيير والتغير نجد أن البعض الآخر لا يعترف به أساساً قائلا بأن المونودراما ما لها علاقة بالمسرح ويرمي بها بعيداً عن الفن المسرحي معتبراً إياها نوعا من الديالوج المسرحي أو أي شيء آخر!
إلا أن هذا الرأي الأخير الذي ينسف كل جهود المونودراميين منذ أن خرجت إلى الوجود منذ القرن الثامن عشر تقريبا يعتبر رأياً مجحفاً ولا يعبر كثيراً عن واقع فن المونودراما التي نعرف بأنها قطعة فنية مسرحية فردية مصحوبة أحياناً بشخصيات صامتة تعبير جسدي أحيانا أخرى بدأت الانتشار في ألمانيا في القرن التاسع عشر.
إلا أن أشخاص آخرون لا يخرجون عن ان المونودراما من المسرح فحسب ولكنهم يتهمونها والمنفذين لها بأن لديهم شعورا متضخماً بالفردية وبالعظمة و متناسيــن( أي فنانو المونودراما ) أن المسرح هو في الأساس عمل جماعي اخترعته الجماعة للتعبير عن نفسها وبعيداً عن تجاهل البعض للمونودراما كفن مسرحي فإن المونودراما فن يحفظ للمونودراما الكلاسيكية شكلها وكيانها وشروطها وقواعدها وهو أيضاً تقدم في سياق مسرحية الفصل الواحد لكن يعبر عن موضوعها بتركيز وتكثيف شديد محتوية على شروط الدراما الأصلية «الصراع، الحبكة، الشخصية» مع الاحتفاظ بالمكونات الأساسية للتسلسل الدرامي المنطقي «البداية، الوسط، النهاية» ولأن المونودراما مركزة فلديها القدرة على تناول جميع المواضيع الإنسانية التي تتناولها الدراما التقليدية والمونودراما سريعة الانطلاق إلى المتفرج لا تحتاج إلى الكثير من البهارات الفنية لأنها تصل بسرعة إلى عقل المتفرج وقلبه نظراً لتركيزها واختصارها ومن هذا المنطلق فإن المونودراما لا تبدأ بتمهيدات وشروحات بل العكس فانه يفضل أن تبدأ 0
بالحدث مباشرة ومن قمته بوجه التحديد بما يسمى منطقة الهجوم والمسرحية المنودرامية يجب أن تتسم بالسرعة والإيقاع المنضبط أي التوافق بين مجمل عناصر تكامل العرض المسرحي من حيث ( كلمة وحركة وديكور وإضاءة ومؤثرات صوتية وموسيقية) كتبت هذه المسرحية – مجرد نفايات - بعناية فائقة وقد التفت المؤلف لجميع التفاصيل ولم لا أليس المسرح هو فن التفاصيل كما يسميه فرحان بلبل في كتابه النص الكلمة و الفعل حيث يقول المسرح فن التفاصيل شئنا أم أبينا وان أروع ما توصل إليه فن التمثيل هو انه فن التفاصيل الذي حول هذا الفن من مجرد إبداع ذاتي عند الممثل إلى علم يصقل الموهبة و الإبداع لكن فن التفاصيل عند بعض الكتاب اخذ معنى آخر ومنحى آخر حيث تحول إلى الإسهاب و التطويل لذا يجب أن تنبع تلك التفاصيل من عناصر الشخصية التي رسمها المؤلف وجزئية التاريخ أو ماضي الشخصية الذي اخترعه الممثل من وحي مخيلته وقد أسهب الكاتب و الفنان قاسم مطرود في ذكر تفاصيل الحركة و الإخراج كثيرا و هذا الأسلوب وجدته في اغلب النصوص التي قرأتها له فهو يكتب من زاويته كمخرج لذا يحاول أن يضفي متعة على القراءة بالنسبة للقارئ العادي ولكن باعتقادي أن ترك بعض التفاصيل لمخيلة القارئ شيء جميل وهذا الأسلوب سيصعب على المخرج رسم الحركة الجديدة للمثلين لذا نرى أن المخرج حاول التمرد على ملاحظات المؤلف في النص
الممثل لقد استطاع الممثل وهو الفنان الشاب عبد الحكيم ألصالحي أن يبرع في تشخيص باقي الشخصيات ذات الحضور المجازي في العرض ( الزوجة, المحقق ) المسرحي الجميل صحيح أن "المونودراما" فن يعتمد على الممثل الواحد- من هنا ربما بسبب العلاقة بالموارد المادية- ولكنها من ناحية أخرى هي ليست مجرد ممثل واحد- إنما هي في الحقيقة تحقيق نفسي وذهني في عقل شخص واحد لا ينفصل عن الشخوص المغيبة، بل يزيد هذه الشخوص قيمة، إذ أن الممثل الفرد دائم الذكر لها، غير قادر عن الانفصال عنها، لذلك تكتسب هذه الشخوص حضورا قويا وقادرا وان لم
تظهر. إن فن "المونودراما" فن يسعى إلى التكثيف لا إلى الاختزال- وان العمل الواحد الذي يقدمه في فترة زمنية معينة إنما يمثل عملا مسرحيا كاملا، رغم كونه استغنى عن الفصول واختزل الزمكانية. لقد حقق هذا الفن لنفسه مكسبا مسرحيا مرموقا في الكثافة والعمق فاقترب بهذا من فن الشعر. ولكن يجب ألا ننسى أهمية الحفاظ على روح المبادرة لدى الممثل كي يعطينا النتيجة المطلوبة أداءً للشخصية وفهماً لها.
وعلى اعتبار أن العمل المسرحي المعتمد على الممثل الواحد – المونودراما – يُعد من أعقد أنواع العمل المسرحي كتابة وتجسيدا كان التأكيد المستمر على أهمية الالتزام بالقواعد العامة المتعارف عليها والمعترف بها في هذا الجنس المسرحي القديم-الجديد.
إن أهم ما يتم التركيز عليه في العمل المسرحي المعتمد على الممثل الواحد هو الإمكانيات التي يجب أن تكون متوفرة لدى الممثل كي يستطيع لا من إقامة حالة جيدة من التواصل بين خشبة المسرح وصالة المتفرجين فحسب بل والمحافظة على هذا التواصل منذ بداية العرض المسرحي وحتى نهايته, بل وتبدو مهمة ممثل المونودراما مضاعفة باعتباره المسئول الأول والأخير, فهناك عامل آخر إلا وهو النص المسرحي الذي غالبا ما يقدم لنا على بساط البحث شخصية تمتلك تاريخاً طويلا من الهموم والعذابات التي دفعتها دفعا إلى لحظة البوح التي لن نكون معنيين بها وبما سيسفر عنها من استدعاء سلسلة طويلة من الأحداث المغرقة في القدم والشخصيات المتعددة ومختلفة المشارب إذا لم تقدَّم في إطار جمالي محكم البناء قادر على جذب اهتمام الجمهور, وإذا كان النص المسرحي ذو الشخصيات المتعددة يتطلب ما بين المشهد والآخر حدثاً دافعاً للخط الدرامي في العمل المسرحي فإن نص المونودراما يتطلب في كل جملة منه حدثا أو موقفا أو حتى إشارة لم تكن متوفرة أو معروفة للمشاهدين, لذلك فإن أي تكرار في فكرة أو جملة أو حتى كلمة في نص المونودراما سيؤثر سلبيا على العلاقة الحميمة التي قد يتمكن العرض من إقامتها مع جمهوره. إن الغنى المطلوب توفره في نص المونودراما لا يعني أن يقوم كاتب المونودراما بحشوها بما قد يخطر على باله من أحداث وشخصيات, بل عليه أن يكون دقيقا في اختياراته دون الوقوع في مطب تحويل العمل إلى سلسلة غير متناهية من الأحداث والشخصيات التي يكاد لا يربط بينها رابط, والتي قد تفقد ما يربطها بالشخصية موضوع البحث. على أن هذا التصاعد المتواتر يجب ألا يؤثر سلبا على أداء الممثل الذي ينبغي عليه توزيع جهده على مدة زمن العرض المسرحي لا أن يستهلك طاقته التمثيلية والأدائية والجسدية خلال الدقائق العشر الأولى ثم يقضي بقية الوقت منتظرا مع المنتظرين نهاية العرض المسرحي الذي سيتحول بالتأكيد إلى عبء على الممثل ومشاهديه. وفي هذا الإطار يمكن تحديد نوعين من الإيقاع في عرض المونودراما أولها الإيقاع الداخلي للمثل والذي يتعلق بشعوره بالشخصية والحدث والزمان والمكان وطبيعة تعاطي هذه الشخصية مع كل ما يحيط بها.. ثانيها انعكاس فهم الممثل لكل هذه العناصر على الجمهور بالقياس إلى درجة تفاعله مع ما يُطرح عليه من وقدرة الممثل وأهمية النص على استكمال جميع جوانب الشخصية وتكوينها النفسي و الاجتماعي واستيفاء كل متطلباتها و ضبط إيقاع العمل من بدايته وحتى نهايته
الإخراج:
يظل الإخراج أحد السمات البارزة في أي عمل مسرحي، ويعتبر من المكونات الرئيسية لعناصر المسرح، خاصة إذا كان هذا المخرج أو غيره من المخرجين يضع في مخيلته الاهتمام بجميع عناصر العرض المسرحي، وبالتالي يوظف كل تلك العناصر مجتمعة لخدمة النص المونودراما هي تحد للمخرج وللمثل على مبدأ أنا سأكون وحدي على الخشبة وسأقنعكم أنني أستطيع أن أبني عالماً.. الكثيرون من الممثلين يخافون من خوض هذه التجربة أو التصدي لها.. لأنها بالدرجة الأولى تفضح أدوات الممثل والمخرج.. لأن المخرج بحاجة إلى مجموعة من الحلول ليساعد فيها الممثل لكي يستطيع أن يمسك بالجمهور في زمن العرض..
مخرج العرض هو الفنان الشاب المبدع خالد العامري الذي عرفناه ممثلا مبدعا على المسرح ومبدعا على شاشة التلفاز حيث لعب عدة ادوار عرفه الجمهور من خلالها وأجاد فيها كلها كما أجاد في إخراج هذا العرض بقيت لدي بعض الملاحظات ا حول أسلوب العرض 0 استخدم المخرج مقدمة استهلالية للعرض وهي عبارة عن فلم ممنتج عن فلم عالمي واستخدم كفن من فنون الميديا واستغله لتقديم تتر أسماء طاقم العمل من مخرج ومؤلف و ممثل وباقي فنيّ العرض مع مؤثر موسيقي جميل باعتقادي كانت جميلة وممتعة ولكنها لم تخدم العرض كثيرا 0 التزم المخرج بتوجيهات المؤلف وتمرد على بعضها خصوصا في الحركة وتصميم الديكور أو ربما لم يستطع تنفيذها 0 أن المخرج كما يخيل إلي إما لم يأخذ قياسات الخشبة قبل تصميم وتركيب الديكور ( وهذا غير معقول لان المخرج من خريجي نفس الجامعة وتربى على هذه الخشبة وباعتقادي خبر كل مساوئها ومحاسنها وعرف كل خباياها ) أو كان من المفترض أن يقدم العرض على خشبة مسرح آخر فوضع قياسات الديكور وفق قياسات المسرح الآخر ( وهذا محتمل ) وذلك بسبب حجم قطع الديكور جاءت كبيرة بعض الشيء و لم تتناسب مع قياسات وحجم خشبة المسرح وكان واضح البتر في بعض القطع من الديكور 0 قسم المخرج المسرح إلى ثلاث كتل بصرية شاشة عرض سينمائي وسط أعلى خشبة المسرح وسلم صغير يعلوه باب ليوحي لنا بأنه باب مدخل المنزل على يسار مقدمة المسرح و منصة دائرية متحركة ركب عليها خشبة دائرية بثلاثة مناظر ( زنزانة السجن,غرفة التحقيق, غرفة التعذيب أو حاوية القمامة ) وسط يمين المسرح 0إن تقارب هذه الكتل البصرية من بعضها البعض و عدم تناسب حجمها مع المكان أدى إلى تداخلها مع بعضها البعض في بعض الأحيان من بعض مواقع الصالة وطوال فترة العرض من بعض المواقع وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى تشتت أذهان المتفرجين أثناء العرض المسرحي 0 ارتدى الممثل طقم ملابس احمر شبيه بملابس المحكوم عليهم بالإعدام وهذا يكشف بان هذا الشخص محكوم عليه بالإعدام من أول وهلة و لا أظنه مناسبا فلو اختار أي لون آخر لكان انسب وطبيعة العمل 0 على كل حال العرض المسرحي كان ممتعا وجميلا بشكل عام وقد أبدع الجميع مخرج وفنيين و ممثل أما الممثل فقد قدم أداء رائعا لو انه خفف من المبالغة في البكاء و الصراخ في بعض الأحيان لكان أروع الممثل لقد استطاع الممثل وهو الفنان الشاب عبد الحكيم ألصالحي أن يبرع في تشخيص باقي الشخصيات ذات الحضور المجازي في العرض ( الزوجة, المحقق ) المسرحي الجميل صحيح أن "المونودراما" فن يعتمد على الممثل الواحد- من هنا ربما بسبب العلاقة بالموارد المادية- ولكنها من ناحية أخرى هي ليست مجرد ممثل واحد- إنما هي في الحقيقة تحقيق نفسي وذهني في عقل شخص واحد لا ينفصل عن الشخوص المغيبة، بل يزيد هذه الشخوص قيمة، إذ أن الممثل الفرد دائم الذكر لها، غير قادر عن الانفصال عنها، لذلك تكتسب هذه الشخوص حضورا قويا وقادرا وان لم
التأليف: الفنان / قاسم مطرود الإخراج و السينوغرافيا: الفنان / خالد العامري تصميم الديكور والملابس: الفنان/انوربن عبد الله الخنصوري البوستروالبانفلت: اسعد بن حمود الحوسني إدارة أيمن