قوى الصورة
1- إن تعريف الصورة السينمائية سهل ومعقد في آن، سهل إذا ما تعاملنا معها من وجهة نظر تقنية محضة، أي كوحدة بسيطة تتكون منها اللقطة.. أو إذا ما علمنا بأنها تتكون من 24وحدة "frime" في التلفزيون و 25وحدة في السينما.. لكن إذا نظرنا إليها من حيث إنها مركز للتواصل فهنا يكمن الإشكال: هناك الصورة التي نكونها عن أنفسنا حيث من شأنها أن تطلق أو تلحم دوران الكلام الإبداعي فينا، ثم هناك الصورة التي يكونها الآخر عنا: صورة الآخر، وهي صورة مبتكرة من أجل التعبير، أن تقول وتقول العالم، أي الصورة - الخطاب من أجل أن نكون الأحسن.. فالصورة قد أصبحت تشكل وسيلة للإعلام ترمي إلى جعل الإنسان العصري أكثر خمولاً كما يقول René HUGGHE في مقدمة كتابه "Les puissances de l`image" (قوى الصورة) تعبر عن سلطة الفنان في ابتكار نظرة جديدة عوض تفقير العالم وتنميطه، ويضيف بأن الصورة على العكس من ذلك تساهم في إغنائه وإخصابه.. ففي مجال الفن مثلاً، الصورة تصدم، وهذه الصدمة توقظ شعور كل واحد وتمجده.. إن التواصل عبر الصورة وبها، يتيح لنا الاقتراب من وحدتها الأصلية واعتبارها مصدر إبداع ووسيلة تواصل فنية كما إنها صيرورة اجتماعية تتيح الارتباط بالآخر والاندماج داخل المجتمع والتاريخ له لأنها ستصبح وثيقة تاريخية مع مرور الزمن.
مقومات نجاح الصورة
2ـ تتنافس السينما الحديثة على جذب عين المشاهد بتكوين صورة سينمائية لافتة ومميزة... ترى ما هي مقومات مثل هذه الصورة برأيكم؟
- لقد أصبحت السينما الحديثة صناعة قائمة بالذات، وتعددت تخصصاتها وتعقدت.. واستفادت - شأنها في ذلك شأن كافة القطاعات الأخرى - من التحولات التكنولوجية التي عرفتها البشرية عبر التاريخ، حيث اجتازت منذ مدة مرحلة الصناعة التقليدية إلى مرحلة الصناعة الرقمية التي لم تعد تؤمن بالمستحيل.. لقد تطورت البرامج المعلوماتية وواكبت المخيال البشري إلى ابعد حد.. إن الشعوب التي تتحكم الآن في تكنولوجيا صناعة الصورة هي التي تقدم صوراً أقوى على المستوى التقني.. كما أن الرأسمال المادي يلعب أهمية قصوى على المستوى الإنتاجي، فالعملية الإبداعية في مجال الصورة، هي عملية جماعية تتقاطعها تخصصات متعددة، ويشرف عليها فنيون ذوو خبرات مختلفة.. الشيء الذي ينبغي رساميل ضخمة لتلبية حاجيات الجميع الفنية.. إضافة إلى هذا، هناك عملية تكوين التقنيين في مجال الصورة، فالإطار الفني الذي يتوفر على تكوين تقني وفني رفيع، يضيف الشيء الكثير إلى المادة البصرية.
إن مقومات الصورة الناجحة الآن هي التي تتوفر على بنية تحتية قوية على مستوى العتاد والرساميل... إضافة إلى أصالة وعمق الرؤية الفنية.. فكما لا يخفى علينا، الصور المستوردة تكون محملة بالأفكار المبطنة والرؤى الإيديولوجية.. لذلك فأهمية نشر الوعي البصري عملية ضرورية جداً إذا ما علمنا بأن المجتمعات العربية تخترقها الصور القادمة عبر الأقمار الاصطناعية في عقر دارها.
صورتنا العربية... والغربية!
3ـ الصورة أبلغ من الكلام وأسرع في الوصول إلى المتلقي وأكثر تأثيراً فيه... كيف تقيم مستوى الصورة السينمائية العربية قياساً بمثيلتها الغربية؟
- إن هذا الموضوع مثير للجدل، خاصة وأنني من الذين يركزون على قراءة الصورة في إطارها التاريخي والموضوعي الذي خلقت فيه.. لا يمكن أن نقارن الصورة العربية بأي صورة أخرى في العالم، مهما كانت قوتها الإنتاجية، لأن لكل صورة خصوصياتها ومنطلقاتها الخاصة، وهناك ظروف ومعطيات تتحكم في صناعتها.. بل هناك أجهزة بيروقراطية تسهر عليها.. لا أظن أن الصورة العربية يفتقر الساهرون عليها إلى سعة الخيال وعمق الرؤية البصرية أو يجهلون التقنيات.. وإنما المشكل في الجهاز البيروقراطي الذي يسهر على تسيير العملية الإنتاجية والفنية العربية.. كل الصور السينمائية العربية تدعمها الدولة تقريباً وما أنتج خارج نطاقها يعانقه المنتجون الأجانب.. إذاً، لا يمكن للمبدع أن يشتغل في ظروف مريحة، بل لابد من الرضوخ لبعض الإكراهات التي تكون في بعض الأحيان قاسية.. إن الصورة السينمائية قد أصبحت صناعة تتطلب أموالا ضخمة.. جل المعدات التقنية يستوردها العرب من الغرب، وعندما نستورد جهازاً معيناً فإننا نستورد معه قيماً ثقافية معينة لا يمكننا الاشتغال خارجها.
إن الفنيين العرب لا يمكن أن يعيشوا دون استلاب فني تحت تأثير تفوق الصناعة الفنية الغربية.. هناك بعض الدول العربية التي لا نسمع عن منتوجها السينمائي أي شيء، وهنا نطرح السؤال التالي: لماذا تهتم هذه الدول بقضايا التسلح وتهمل قضايا الثقافة البصرية؟ إننا أمام مشكلة خطيرة جداً إذا ما بقيت أجيال الأمة العربية تستهلك ثقافة بصرية غريبة عنها كل الغرابة.. فالصور ابلغ من الكلام وأسرع انتشاراً وأكثر تعبيراً من أي خطاب آخر.. الحقيقة انه مهما أطنبت في الحديث، إلا واصطدم بإشكالات عديدة لا يمكن تخطيها.. الفن تمتلكه الشعوب ولا يمتلكها...
قراءة الصورة
4ـ كيف نقرأ الفيلم السينمائي أو الصورة السينمائية؟
- لقد صار الفن السينمائي من وسائط التعبير الفني، ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التي تتخذها الشركات العالمية المتعددة الجنسيات/ العابرة للقارات، والحكومات أداة ناجعة للدعاية والإعلام وترسيخ قيمها وأفكارها تمهيداً للسيطرة الفكرية عليها.. أمام هذا الخطر كيف نكشف طلاسم الفيلم أو كيف نعرف ألفبائيات الفيلم/ الصورة؟
إن الصورة تقبل التحليل كاللغة مثلاً، ودراستها تتيح الإطلاع على مدى غنى وتعدد دلالات خطابها، حيث نستطيع كشف دلالاته المتعددة ومحاذاة قوته عوض أن يصبح مسيطراً علينا.. إننا نوجد في عالم طافح بالصور السينمائية والتلفزيونية والاشهارية.. حيث يصعب على المتلقي اتخاذ موقف تراجعي أمام تلك الصور التي تحاول الانغراس في دائرة تفكيرنا والإيقاع بنا.. في الحقيقة لا يمكن في هذا المقام سرد كافة التفاصيل التي من شأنها تمكين القارئ من تحليل وقراءة الخطاب الفيلمي.. لكنني أركز وألح على أن المفتاح الأول هو المعرفة التقنية بعالم الصورة، خاصة وانه يستعصي فهمها وتحليلها على مستويات عدة دون الإلمام بالجانب التقني، ولاسيما ما يخص تركيب الصورة وتأطيرها وسلم لقطاتها وزوايا الرؤية إضافة إلى حركات الكاميرا وأهمية المؤثرات الخاصة في بلورة الصورة دون إغفال مراحل تصحيح الألوان والمونتاج والمكساج.. إضافة إلى الجانب التقني، هناك جانب التأويل حيث تظهر أهمية سيميولوجيا الصورة ومستويات قراءتها (المستوى الوصفي، المستوى التأويلي، المستوى التقني..) وما يكتسيه الرمز بصفة عامة داخل مجال الصورة، كالرمز الفوتوغرافي مثلاً، ثم دلالة الألوان ورمزيتها وأهمية الحركات في تشكيل الخطاب الفيلمي، دون أن نغفل الخطاب اللغوي والسرد الفيلمي.. إضافة إلى معرفة مسار بعض صناع الصورة واهتماماتهم، كالمخرج نظراً لأهميته الحاسمة في الإشراف على صناعة الصورة السينمائية وذلك من خلال رؤيته للأشياء والوجود ومدى أهميتها في إعطاء نظرة أو مقاربة سوسيولوجية شاملة أو تقريبية لمجتمع ما، حيث تصبح الوثيقة المصورة مصدراً من مصادر التحليل السوسيولوجي.. فغالباً ما تسبق شهرة المخرج أو النجوم الذين يتقمصون الأدوار الرئيسية في الفيلم، سمعة المنتوج.. خلاصة القول ان الفيلم هو وثيقة مفتوحة على عدة تأويلات وقراءات ممكنة، كل حسب مستوى معارفه.. وإن كانت المعرفة التقنية أساسية.. لأن الصورة يتداخل في تشكيلها: الأدبي (القصة، الحوار...)، المرئي (الضوء، اللون..)، الفيلمي (المونتاج، المؤثرات البصرية)، المسموع (ضجيج، موسيقى..)، السمعي/ البصري (المزاوجة المنطقية بين الصور والأصوات).